زمان يا موعد / رحلت نجاح سلام
فنانون: نجاح سلام
رحلت نجاح سلام

رحلت نجاح سلام

رحلت نجاح سلام و رحلت معها إحدى آخر جواهر الطرب في الزمن الفني الجميل. انسانة ، فنانة، مطربة ، استثنائية، في النغم ، في الطرب ،في الطيبة ،في العزة ، في اللباقة ،والحكمة ،حتى الابتسامة…
ستشتاق القوافي لصديقتها ومطربتها ،ومتزوقتها. اذ أنها كانت مثقفة ،واعية ،شامخة محبة للفنون الراقية،للكلمة للأنغام ،متحمسة للقضايا العربية ،فغنت لها على مدى أجيال.…فغنت (يا أحلى اسم في الوجود يا مصر )، و (أنا النيل مقبرة الغزاة) ، و في الجزائر غنت (ما احلى الغنا بعد الرصاص) ، وفي سوريا غنت من ألحان زوجها المخرج الراحل محمد سلمان وكلماته (سوريا يا حبيبتي) وغنت للحب و اشهر أغنياتها: حول يا غنام، برهوم حاكيني ، وعايز جواباتك ، وميل يا غزيل ،غيرها العديد من الروائع.

صداقة والدي محمد بديع سربيه ونجاح سلام تعود إلى ما قبل إصداره مجلة الموعد ، اذ ان والدها محيي الدي سلام كان مديرا للإذاعة اللبنانية ، وكانت هي قد بدأت طريقها في هواية الفن. و على مدى سنين كانت وزوجها الراحل محمد سلمان ،من الأصدقاء المقربين لوالدي ووالدتي.

عرفت نجاح سلام او حبيبتي كما تعودت مناداتها، عندما كانت منفصلة عن زوجها (أبو سمر) ،لكن أبهرتني رقي العلاقة بينهما وجمالها، ومع ابنتيهما سمر وريم ، كانت جلسات أسرتينا معا ، متعة للعقل ، ونزهة للقلب ،فكنا في مصر وباريس وبيروت ،في لقاء دائم ، تختلط الأحاديث الفنية بالسياسية بالثقافية والشعرية ،وكلها متوجة بخفة دم غير متناهية. كانت رحمها الله ،محبة للأناقة ،واذكر ونحن في باريس ،كيف كانت تحرص على اختيار أجمل الأقمشة لخياطة فساتينها ،ومن الطرائف التي ما زلت أذكرها عندما دعانا أبو سمر لتناولنا طعام الغداء في مطعم الدار ،في باريس والموسيقار محمد عبد الوهاب وزوجته نهلة في أواخر الثمانينات ،فإذا بها تقول لي:"ما هذا يا مي لماذا لم تضعي اي ماكياج فبدا وجهك شاحبا؟" فقلت لها وضعت بعض الألوان الخفيفة فقالت لي :"أنا حتصرف".

وفي اليوم التالي عندما التقينا ،اهدتني بودرة للخدود وبعض أدوات الماكياج. وظللت محتفظة بهذه العلبة لسنين طويلة ،بعدما فرغت ،كذكرى منها. وعندما استلمت رئاسة تحرير الموعد حرصت على اجراء حديث صحفي معها امتد لعدة اجزاء ،تحدثت فيه عن حبها لفنها ، وجمهورها وأسرتها وحماسها لكل قضية لبنانية وعربية. وأذكر وقتها ،أنني و زوجي البروفيسور غسان شهاب رحمه الله ،دعوتها مع والدتي والأسرة إلى العشاء في مطعم برج الحمام في فندق الموفنبيك بيروت ، وبخفة دمها المعتادة عندما استقبلتها مرحبة قالت لي وهي تقبلني "أين الروج؟" وضحكنا من قلبنا واستعدنا ذكريات والدي وصديق عمره محمد سلمان الذان كانا حاضرين معنا في كل جلسة. والصورة المرفقة التقطت في تلك الجلسة. أما أحاديثنا التلفونية كانت تطول لساعات وعندما اقفل الخط معها أكون محملة بعشرات النصائح في الحياة.

وفي أخر تكريم في بيروت كنت موجودة اصفق لها بكل الحب إلى ان كان مرضها ، وكم حزنت عندما ذهبت آخر مرة إلى منزلها للعزاء بشقيقها ،ولكنها كانت في غرفتها مريضة فلم استطع لقاءها ،واليوم تغادرنا ونبكيها ولكن وستظل ذكراها غالية وخالدة في قلوب جمهورها ومحبيها . ويشاء القدر ان ترحل في نفس الشهر الذي رحل فيه حب حياتها و زوجها المخرج محمد سلمان ،الذي توفي في ٢٤ سبتمبر عام ١٩٩٧ إلى جنة الخلد ستظلان ملء القلب والذاكرة.

بقلم مي سربيه شهاب ، من كتاب شارع النجوم