مسلسل / ذكريات ونجوم / أطول حديث مع عمر خورشيد (الحلقة الأولى)
فنانون: عمر خورشيد
ذكريات ونجوم / أطول حديث مع عمر خورشيد (الحلقة الأولى)

ذكريات ونجوم / أطول حديث مع عمر خورشيد (الحلقة الأولى)

* في طفولتي.. كان الغيتار هو الآلة التي أكرهها!
* أمي حطّمت الغيتار لأنه يشغلني عن دروسي..
* في «فلسطين» أول لقاء بيني وبين عبد الحليم حافظ..
* عبد الحليم هو الذي جاء بي الى الموسيقى الشرقية!
 
 
ان الفنان الراحل عمر خورشيد من ألمع الموسيقيين على الساحة الفنية في السبعينيات وتوّجته الجماهير نجماً محبوباً على مدى سنين، لم تكن طويلة إذ أنه رحل وهو في عزّ شبابه، وكان لـ«الموعد» عام 1977 حواراً طويلاً معه ننشر في هذا العدد الجزء الأول منه.
 
■ ■ ■
 
عمر خورشيد كان دائماً يجسّد صورة الفنان المهذب، الرقيق، الموهوب، البعيد عن الغرور الأجوف.. ومن خلال الحوار اكتشفت أنه شاب ناضج ومثقف..
وأبدأ الحديث مع عمر خورشيد وأقول له:
• هل أسمع منك حكايتك مع الغيتار، وأنت الآن من نجوم العزف عليه؟
وبدأ يستعيد الذكريات، وقال:
- ربما لن تصدقي عندما أقول لك بأنني في طفولتي لم أكن أحب الغيتار أبداً، وعندما بلغت التاسعة من العمر، وأخذت أتلقى دروس الموسيقى في المدرسة كانت الآلة الموسيقية الوحيدة التي أكرهها هي الغيتار، الذي كنت أفضّل عليه البيانو والكمان.
وأقول له:
• تكره الغيتار؟ هكذا من غير سبب؟
فيضحك ويقول:
- لا.. هناك سبب، فقد كنت في طفولتي نحيفاً جداً، والغيتار طويل عليّ بحيث لم أكن أقدر على حمله ولفّ ذراعي حوله.. ولكن مع الأيام غيّرت نظرتي الى الغيتار، وبدأت أميل اليه، وكان ذلك بالتحديد عندما انتشرت موجة موسيقى «الروك اند رول» وظهرت أغاني ألفيس برسلي التي كان يغنيها وهو يعزف على الغيتار، ووجدت نفسي، أنساق مع هذه الموجة أنا ورفاقي، وأخذت ألحّ على والدي بأن يشتري لي غيتاراً، ولكن والدي ووالدتي كانا يرفضان ذلك بشدّة..
وأسأله :
• وما السبب في معارضة والديك؟ رغم أن والدك المرحوم أحمد خورشيد  كان مصوّراً سينمائياً، أي كان يُعتبر من أهل الفن؟
يجيب:
- الحقيقة، والدتي هي التي كانت تعارض في شرائي للغيتار، لأنها كأية سيدة شرقية، كانت تتصوّر أن الغيتار سوف يشغلني عن مذاكرة دروسي..
وأتابع الحكاية معه:
• وتغلبت على معارضتها؟
قال:
- أيوه.. فقد كوّنت أنا واثنين من زملائي فرقة موسيقية، ونزلنا معاً الى السوق ليشتري كل واحد منا غيتاراً.. وكنت أنا قد «حوّشت» ثمن الغيتار الذي سأشتريه من مصروفي الشخصي، وأذكر أننا، أنا وزميلي، قد أخذنا نتردّد على محل لبيع الآلات الموسيقية لنشتري الغيتارات الثلاثة، وكنا «نفاصل» بالثمن، ونحاول شراءها ولكن البائع عندما لمس شدّة رغبتنا في الحصول على الغيتارات أخذ يرفع الثمن أكثر وأكثر، الى أن أوصله الى اثني عشر جنيهاً للغيتار الواحد، وأذكر أنني لجأت يومها الى الفنان الممثل عمر الحريري، وكان قريباً لأحد أصدقائي، فتوسط لي عند البائع، وأقنعه بأن يبيعني الغيتار بثمن مخفّض، وهكذا كان، وامتلكت أول غيتار في حياتي..
ولكن:
• هل إن الغيتار كان يشغلك فعلاً عن الدراسة؟
ويرد عمر خورشيد:
- بالعكس، لقد كنت دائماً أُقنع الأهل الذين يواجهون مع أولادهم نفس مشكلتي مع عائلتي، وأقول لهم إن أي تلميذ لا يمكن أن يقضي أربعة وعشرين ساعة في مذاكرة الدروس، ولا بد له من وقت فراغ يرفه فيه عن نفسه بأية هواية. ومن ناحيتي أنا، فإن هواية العزف على الغيتار كانت تشدّني الى البيت أكثر مما تبعدني عنه، وهذا وحده كافٍ لأن يجعلني أهتم بدروسي، لأنه ليس معقولاً أن أقضي وقتي كله مع الغيتار.
وأسأل الفنان الوسيم:
• وكيف تطوّرت هوايتك بعد ذلك ووصلت الى احتراف الموسيقى؟
ويجيب:
- عندما بلغت الثالثة عشرة من عمري، وكنت قد وصلت الى مرحلة التعليم الثانوي، أخذت أعزف على الغيتار في حفلات وسهرات خاصة، وكان الأصدقاء والزملاء يصفّقون لي فيداخلني الغرور، وأتوهّم أنني أحسن عازف في العالم. بالرغم من أنني كنت يومها أعتمد على السمع، ولم تكن عندي أية دراسة أو ثقافة موسيقية، الى أن ذهبت ذات ليلة صيف لأعزف في ملهى صيفي مع إحدى الفرق. وهناك رأيت شاباً يقف على المسرح ويعزف على الغيتار بكل براعة وإبداع، وشعرت أمامه بضآلة حجمي كفنان، وأحسست أيضاً بضعفي كعازف وانعدام ثقافتي الموسيقية. وكانت نقطة التحوّل في حياتي منذ هذه الليلة.
وأسأله:
• يعني.. ماذا فعلت؟
ويكمل الحديث:
- لقد هرعت في اليوم التالي مباشرة الى معهد يوناني للموسيقى، وانتسبت الى قسم العزف على الغيتار، لأن المعاهد المصرية الموسيقية لم تكن تعلّم العزف على هذه الآلة. وبعد فترة جاء المايسترو الذي هو المشرف على الدراسة في المعهد، وهنأني بحرارة لأنني كنت أتعلم في شهر ما يتعلمه غيري في ستة أشهر، ثم، وعندما بلغت السابعة عشرة من العمر، عُيّنت في هذا المعهد كأستاذ، مع استمراري في الدراسة.. ولكن..
ولا أتركه يقطع الحكاية من نصفها وأقول له:
• ولكن ايه؟
ويكمل:
- بعد ذلك بوقت قصير أقفل المعهد اليوناني أبوابه بسبب موت صاحبه، ولأنه لم تكن هناك  معاهد مماثلة له، فقد بدأت في أخذ الدروس بالمراسلة من المعهد الموسيقي الملكي في لندن، ومن ثَمّ اتسعت آفاق دراستي، فشملت الموسيقى النظرية والتوزيع، وتأليف الموسيقى التصويرية.
وأحاول أن أعرف منه:
• متى احترفت الموسيقى.. يعني متى خرجت من مرحلة الهواية وبدأت تكسب مالاً من العزف؟
وعاد يتذكر:
- كانت أول مرة تناولت فيها أجراً عن العزف في فندق «الأقصر بالسويس»، وكان ذلك في سهرات عيدي الميلاد ورأس السنة، فقد اتفقت إدارة الفندق معي، ومع زميل لي يعزف على البيانو، وآخر يعزف على الإيقاع، لنعزف في ملهى الفندق لمدة عشرة أيام، وبأجر يومي لكل منا قدره خمسة جنيهات، وتدبّرت الأمر يومها مع والدتي فقلت لها بأني ذاهب الى الأقصر وأسوان في رحلة مدرسية، ولكنها عرفت الحقيقة بعدئذٍ من أصدقاء لعائلتي رأوني وأنا أعزف في الفندق، وهكذا، ما إن عدت الى القاهرة، حتى فوجئت بوالدتي تصرخ في وجهي، وتنتزع مني الغيتار وتحطمه، وتقول بأعلى صوتها إنها لا تريد لابنها أن يطلع... مزيكاتي!!. ومن حسن الحظ أنني كنت قد كسبت ما يقارب الخمسين جنيهاً من عملي في الفندق، فاشتريت غيتاراً آخر بدل الغيتار الذي تحطّم بيد والدتي، وخبأت الغيتار عند صديق لي كنت أذهب اليه كلما أردت التمرّن على العزف؟
وأسأله:
• يعني.. هل توقفت في احترافك للموسيقى عند هذا الحد؟

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)