مسلسل / أطول حديث مع عمر الشريف (الجزء السادس)
فنانون: عمر الشريف
فاتن حمامة وعمر الشريف

أطول حديث مع عمر الشريف (الجزء السادس)

على امتداد الساعات التي أمضاها عمر الشريف يتحدث فإن حرارة العاطفة في صوته تزداد حينما يمر في الحديث اسم ابنه.. طارق..

إنه .. برغم كل شيء يظل الإنسان الذي تغمره الأبوة بمتعة روحية خاصة..

لذا كان الحوار الذي أدلى به عمر الشريف عام 1978 فيه الكثير من ذكريات طفولة طارق.

* * * 

 بالنسبة لطارق، ابنك، هل تعتبر نفسك أباً مثالياً له..

وكان صريحاً وهو يجيب:

لست أزعم لنفسي أنني كنت الأب المثالي لطارق في طفولته، وحتى بلوغه الخامسة أو السادسة من العمر.. بالرغم من أن مشاعر الأبوة كانت تملأ صدري.. والسبب الذي حرم ابني من رعايتي التامة والشاملة في أولى سنوات عمره، هو أن مولده كان في نفس الفترة التي بدأت فيها رحلتي إلى آفاق السينما العالمية.

طبعاً كان من الصعب أن أصحبه معي، وهو طفل، إلى كل بلد أذهب إليه، وكان صعباً أن أتخلى عن كل أعمالي السينمائية خارج مصر، لأبقى أمامه أشرف على رعايته وتربيته..

  إذن، والدته فاتن حمامة كانت هي الأم المثالية...

-  لا أنكر ذلك أبداً.. إن فاتن كانت أماً مثالية بالفعل لطارق.. ففي الوقت الذي كان فيه تألقها على الشاشة المصرية قد بلغ الأوج، رضيت بأن تضحي بهذا التألق من أجل أن يكون ابنها في رعايتها، ولا يحرم في وقت واحد من رعاية الأم والأب.

وهي في نفس الوقت كانت دائماً تمدّ الجسور العاطفية بيني وبينه حتى لا تنعدم صلته بي عندما يكبرولا يكون قد رآني إلا في الأوقات القليلة، كأي رجل غريب.. وقد بقيت فاتن خمس سنوات كاملة في أوروبا دون أي عمل.. وليس هناك ما تشغل به نفسها سوى «طارق».. بل وأكثر من هذا، أعترف بأنني وفاتن قد وصلنا في مرحلة ما، إلى الاقتناع بصعوبة استمرار حياتنا الزوجية، بالرغم من تعلّقي الشديد بفاتن، ورغبتي الملحة في أن تظل زوجة لي، ومع ذلك فقد ظلت تحافظ على مظاهر حياتنا الزوجية من أجل «طارق»..

  وكيف اتفقت هذه الرغبة عندك مع اقتناعك بصعوبة استمرار حياتك الزوجية مع فاتن؟

كنت سأكون في منتهى الأنانية لو أنني طلبت منها أن تضحي بأمجادها السينمائية الكبيرة، والتي تعبت في صنعها على مدى سنوات طويلة، لكي تعيش وحيدة في أوروبا، وأنا الذي لم أكن أقدر على البقاء معها أكثر من أيام في السنة كلها.. كان معنى هذا أن أجعلها هي تدفع ثمن المجد الذي كنت أنا أطمح إليه وألهث وراءه، وعلى كل حال، فإنني أعترف هنا أيضاً بأنني لم «أطلق» فاتن حمامة يوماً، وبصورة جدية، كل ما فعلته هو أنني كتبت وثيقة الطلاق ووقعتها وسلمتها إليها وتركت لها وحدها الحرية في استعمالها إذا شاءت أو متى أرادت، حتى لا تشعر يوماً بأنني أقيّدها..

  ولكنها لم تستعمل الوثيقة إلا بعد سنوات.. وأعتقد منذ عامين فقط!.

فعلاً.. لم تجعل الطلاق رسمياً بيننا إلا منذ عامين، وبعدما كبر طارق وأصبح شاباً يعي واقع الحياة ويتحمل معرفة الانفصال القائم بيني وبين والدته، وأظن أنها أرادت تنفيذ وثيقة الطلاق لأنها كانت قد اتخذت أخيراً قرارها بالزواج من رجل آخر.. أما قبل ذلك، فقد رضيت بتجميد طلاقها مني حرصاً على ابننا «طارق».. كانت تخشى عليه من أن يصاب بعقدة نفسية إذا ما فتح عينيه على الدنيا وكانت أول صورة تدخل إلى مخيلته هي صورة الانفصال بين والديه..

 كانت تضحية كبيرة من فاتن؟

رد قائلاً:

ألم أعترف لك بأنها إنسانة مثالية.. إنها من أجل ولدها ضحت على مدى خمس سنوات بكل بريقها كنجمة سينمائية، وأيضاً بحقوقها كزوجة.. وهذا ما يجعلني أكنّ لها الحب والاحترام حتى آخر العمر..

 من الذي وافق على ظهور «طارق» في فيلم «دكتور جيفاغو» أنت أم فاتن حمامة؟

أنا كنت البادئ في الموافقة على ظهور ابني «طارق»، وكان في السابعة من عمره، في فيلم «دكتور جيفاغو» ولكني لم أكن صاحب الفكرة بل أن ديفيد لين، مخرج الفيلم، هو الذي اقترح عليّ ذلك.. إنه كان يبحث عن طفل يمثّل دور «جيفاغو» في صغره، وعندما رأى ابني الذي كان قد جاء بالصدفة لزيارتي، صاح ديفيد لين قائلاً: إن هذا الولد هو المطلوب.. لأن فيه الكثير من ملامحي.. وعندما يمثّل الدور فإن الفيلم سوف يوحي بالصدق والحقيقة أكثر، ولقد وافقت على ذلك.. لا لأنني كنت أفكر بأن أجعل من ابني نجماً سينمائياً، ولكن لأن ذلك سوف يتيح لي الفرصة لأن أقضي معه وقتاً طويلاً، هو الوقت الذي سيستغرقه تصويره للدور، وأنا الذي لم أكن أراه إلا نادراً، ولا أفهم طبائعه وميوله إلا من خلال الرسائل التي كانت والدته تدفعه إلى كتابتها لي..

 وهل وافقتك فاتن على ظهور «طارق» في هذا الفيلم؟

يجيب:

عندما سألتها عن رأيها بالتليفون عارضت بشدة أن يظهر في أي مشهد سينمائي، فقد كان لها تجربة سابقة مع ابنتها «نادية» عندما أظهرتها وهي طفلة في أحد أفلامها، وكان اسمه «موعد مع السعادة»وقد روت لي فاتن أن ظهور ابنتها في سن مبكرة على الشاشة جعلها تصاب بالغرور، فقد أخذت تتعالى على رفيقاتها في المدرسة، وقاطعت صديقاتها بنات الجيران، وأخذت تنتحل الأعذار لعدم الذهاب إلى مدرستها، وكل هذا لأن الشهرة استهوتها.. وكانت فاتن تخشى أن تتكرر الحكاية مع «طارق»، فيصاب بالغرور، ولا يعود يعتني بدروسه، أو يتطلع إلى مستقبل جيد.. و لكني تعهدت لها ألا أترك الأمر يؤثّر عليه، وفعلاً، حاولت ذلك وأصررت على ألا تنشر له أيّ صورة في إعلانات الفيلم.. ولكن، أعترف بأنني لم أستطع في النهاية أن أؤثر عليه، وأن أمنعه من التعلق بالسينما والتطلع إلى أن يكون ممثلاً، مثل والديه..

  ولكنك كأب أمضيت معه الوقت الذي كنت تتوق إليه؟

فعلاً.. كانت تلك الفترة من أسعد وأمتع فترات حياتي، لقد شعرت خلالها بالأبوة الحقة، وكنت لا أغادر البيت أبداً لكي أستمتع بالبقاء أطول مدة ممكنة مع «طارق».. وكانت فاتن قد جاءت أيضاً لنكون على مقربة منه، ولكنها كانت كثيرة القلق عليه، وأحياناً تحمل علينا، أنا والمخرج، لأننا نتعبه كطفل..

 وهو في هذه السن.. هل كان «طارق» معجباً بك كممثل؟

فيجيب:

كنت ألاحظ أنه يميل إلى أفلامي الموسيقية أكثر، ولكن حدث مرة أن ألحّ عليّ في أن أذهب معه إلى إحدى دور السينما لنشاهد فيلماً عن"رعاة البقر" وخلال الفيلم همس لي بأنه يتمنى أن يراني ولو مرة على الشاشة بملابس «الكاوبوي» وصودف وقتها أن كان معروضاً عليّ أن أمثّل لحسب شركة «كولومبيا» فيلماً من أفلام رعاة البقر اسمه «ذهب ماكينيا» وكنت في الحقيقة متردداً في الموافقة على تمثيله، بالرغم من أن صديقي وزميلي غريغوري بك كان ينصحني بقبوله، لأن هذا النوع من الأفلام ما زال هو الأكثر انتشاراً في العالم، وعند كل الطبقات، وعندما طلب مني «طارق» أن أمثّل دور «الكاوبوي» في أحد الأفلام، سارعت إلى إعطاء الشركة موافقتي على تمثيل فيلم «ذهب ماكينيا»، ومثلته فعلاً، ولم أكن راضياً، لأنه لم يكن في مستوى وعظمة الأفلام التي كنت قد مثلتها من قبل، فضلاً عن أنني تأكدت بأنني آخر من يصلح لتمثيل دور أحد رعاة البقر..

  بعد ظهور «طارق» في فيلم «جيفاغو» هل بدأت تحس بأنه بات ميالاً إلى التمثيل..

ويردّ:

أصبح التمثيل هو شاغله الوحيد.. ومرت فترة كاد خلالها أن يفقد توازنه لولا أن والدته كانت صارمة وحازمة جداً في توجيهه نحو الدراسةولكن حدث مرة ما جعلنا، أنا وفاتن، نقيم فترة من الوقت في جنيف، وكانت هي تقيم في باريس، وأنا أتنقل حول العالم، لكي نحول دون ضياع ولدنا..

  وما الذي حدث؟

إن «طارق» كان طالباً في مدرسة داخلية، وذات مرة جاء إلى المدرسة مخرج سينمائي ليبحث بين طلابها عن أطفال يمثّلون مشاهد في فيلمه الذي كان يجري تصويره في ضواحي جنيف.. وعندما رأى «طارق»، فرح به كثيراً وسأله إذا كان يوافق على تمثيل دور في فيلمه، ولأن «طارق» كان قد بدأ يحب التمثيل، فقد وافق فوراً على ذلك، وبدأ فعلاً يترك المدرسة ويذهب إلى أمكنة التصوير..

  وكيف عرفتما بالأمر؟

كانت فاتن قد ذهبت إلى جنيف لزيارة "طارق" وأبلغها مدير المدرسة الخبر، فطار صوابها، وهرعت إلى الاتصال بي، وجئت أنا فوراً، واتخذنا إجراءات سريعة، فرفعنا قضية ضد المخرج الذي أخذ الطفل في فيلمه دون موافقة والديه، وأيضاً قضية ضد المدرسة.. وتراجع المخرج واعتذر لنا، وكذلك اتخذت إدارة المدرسة إجراءات حادة لمنع «طارق» من الخروج إلى ما بعد الحديقة.. ومع ذلك، فإن فاتن لم تطمئن فبقيت في جنيف إلى جانب «طارق»، وفرضت عليه مراقبة دقيقة لمدة شهرين، ثم اتفقت معي على أن تنقله إلى إحدى مدارس باريس ليكون على مقربة منها.. وتحت إشرافها ومراقبتها!.

(البقية في الحلقة المقبلة)..