شارع النجوم / نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة ( الحلقة 3)
فنانون: محمود عبد العزيز
وضحكة متبادلة مع محمود ياسين

نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة ( الحلقة 3)

في المعسكر الجامعي حول خيمته إلى «سوبر ماركت»

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1994:

ومن جديد دوى التصفيق للنجم محمود عبد العزيز في جوانب مسرح «الجزيرة» لأن الفصل الثاني من المسرحية كان أكثر جمالاً من الفصل الأول، وكان في النص ما يمكّن النجم الكبير من إبراز مواهبه في التمثيل الكوميدي البعيد عن التهريج، والافتعال، والتصنّع.

وكانت غرفة محمود عبد العزيز الصغيرة الخاصة به وراء الكواليس قد ازدحمت بالزائرين، وأوشكت أن أتركه لهم ومعهم، إلا أنه أمسك بيدي وقال لي: لأ.. خليك معايا، لأن ذكريات خطواتي الفنية الأولى أشعر أنها بمثابة غذاء روحي لي!

كان وجه محمود عبد العزيز يشرق بالبهجة والفرح وهو يتحدث عن السنوات الأربع التي أمضاها في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية ويصف بوجه خاص أيامه في المعسكرات الجامعية التي ذاق فيها لأول مرة طعم.. الشهرة!

إن محمود عبد العزيز يتذكر كيف كان مدللاً في معسكر الجامعة، لأنه كان نجم ليالي السمر، ومن هنا فإن كل مدير للمعسكر كان يحرص على إبقائه معه لكي تظل لليالي السمر في المعسكر، الحيوية التي كان يضفيها عليها، سواء بما يقدمه من اسكتشات ضاحكة أو بما ينظمه من مباريات ومسابقات ترفيهية.

وبفضل هذه «الحصانة» التي كانت خفة ظل الطالب الجامعي الشاب قد «أمنتها» له وحده ودون سائر أقرانه في الجامعة، فإنه مارس لأول مرة التجارة التي لم يكن يعرفها من قبل، وكان الدافع إلى هذه الممارسة هو أن يؤمن لنفسه في المعسكر المصاريف التي كان يحتاج إليها في إقامته التي كانت تطول من بداية الصيف حتى نهايته.

إن الذي كان يفعله الطالب الجامعي الشاب والمحبوب من زملائه هو أن يترك المعسكر بين الحين والآخر لعدة ساعات، يذهب خلالها إلى أولاد أعمامه في الإسكندرية، وكلهم من كبار العاملين في التموين، ويشتري منهم بأسعار الجملة كميات من البسكويت والشوكولا، وزجاجات المرطبات، ثم يعود بها إلى المعسكر، حيث يحول خيمته إلى دكان يبيع فيها هذه الأشياء كلها، فيؤمن نفقات إقامته من هذا الـ «سوبر ماركت».

وعلى امتداد الشهور الثلاثة التي يقضيها محمود عبد العزيز في معسكر الجامعة على شاطئ «باجوش» الذي كان ما زال بكراً، وخالياً من الازدحام، فإن الهواية الأحب إليه كانت أن يصطاد من أمواج البحر القادمة إلى الشاطئ الرسائل التي يرمي بها بحارة البواخر، وكان منها على سبيل المثال رسالة من بحار كتبها في عام 1956، وكتب فيها: «من يجد هذه الرسالة له مني مليون دولار»! ولكن هذا البحار الكريم لم يكتب عنوانه!

وأيضاً، فإن ما يذكره محمود عبد العزيز هو أن مواهبه الفنية التي كانت تظهر في ليالي السمر لمعسكر الجامعة، قد قرَّبت بينه وليس فقط بين زملائه الطلبة في كلية الزراعة، بل وأيضاً بين طلاب كليات الهندسة، والطب، والصيدلة، بحيث بات يذهب إليهم ويدخل كلياتهم وكأنه يدخل كليته!

وأسأل محمود عبد العزيز: ألم تكن تشغلك اهتماماتك الفنية عن اهتماماتك الدراسية؟

فأجاب: أبداً، وأنا بعد أن أنهيت السنة الثانية في كلية الزراعة كان عليَّ في السنة الثالثة أن أختار تخصصي، ولأنني كنت قد نجحت في دراسة الكيمياء والنبات، والحيوان، فإن ذلك قد جعلني مؤهلاً لدخول قسم الحشرات، واخترت فعلاً أن أدخل هذا القسم لسببين، أولهما أني كنت قد حفظت تماماً أسماء الحشرات باللغة الإنكليزية، وثانياً لأن الأساتذة الذين كانوا يدرسون فيه، وكان كل منهم قد تخصص في دراسة الحشرات بجامعات أميركا، كانوا كلهم على درجة كبيرة من العلم، والظرف، وبشاشة الوجه، وأذكر منهم على سبيل المثال الدكاترة: فاروق الجيار، عباس عبد اللطيف، محمد شاكر، وعبد الرحمن دنيا!

وأضاف النجم الشاب: وفضلاً عن ذلك، فإن قسم علم الحشرات لم يكن يستهوي الطلاب كثيراً في كلية الزراعة، وكان عدد زملائي في هذا القسم لا يزيد عن الأربعين، وهو ما كان يجعل المحاضرات وتقبلها واستيعابها أسهل علينا مما لو كان في القسم ألف طالب مثلاً!

سألته: وهل نجحت في قسم الحشرات؟

أجاب ضاحكاً: كانت هناك مادة واحدة ثقيلة الدم لم أنجح فيها أبداً هي: «الكيمياء الحيوية» لم أستطع النجاح فيها، وذقت لأول مرة طعم السقوط، وأنا الذي كنت ناجحاً في كل مراحل الدراسة الجامعية، وأعيد امتحاني فيها أيضاً في السنة الرابعة، ولكني سقطت بها أيضاً، وإن كان ذلك لم يمنع نجاحي في بقية المواد، على أنني بعدما أنهيت دراستي في كلية الزراعة، صممت على النجاح في مادة «الكيمياء الحيوية» التي سقطت فيها أكثر من مرة، وفعلاً، تخصصت تسعة أشهر في هذه المادة، وتخرجت من كلية الزراعة في جامعة الإسكندرية بتقدير عام جيد!

وقلت للنجم الأكثر شهرة الآن في عالم السينما: إذن، إيه حكاية أنك خبير في تربية النحل؟

وروى محمود عبد العزيز الحكاية..

أنه عندما تخرج من كلية الزراعة في شهر يناير «كانون الثاني» من العام 1968 كان من حقه أن يعين معيداً، وفعلاً تم تعيينه في معهد بحوث وقايات النباتات في القاهرة، وكان عليه أن ينقل إقامته من الإسكندرية إلى القاهرة، التي لم يكن يعرف فيها أحداً سوى ابن عم له مقيم في دار السلام في حلوان!

وعندما وصل محمود عبد العزيز إلى القاهرة، وجد نفسه في دوامة من الحيرة.

فهو لم يجد ابن عمه المقيم في حلوان.

وعندما جاء إلى معهد بحوث وقاية النباتات ليتسلم عمله، قيل له إن الأساتذة كلهم مشغولون بحملة مكافحة دودة القطن في «قنا» وكان عليهم أن يذهبوا يومياً إلى هناك!

إذن، ما الذي سيفعله المعيد القادم من الإسكندرية.

إن أستاذ المعهد الدكتور محمد إبراهيم قال له: خلاص ما دمت إنت في القاهرة، فابق في المكتبة إلى أن تنتهي حملة مكافحة دودة القطن وعندئذ سأوجد لك التخصص الذي يلائمك!

وفعلاً، جاء الشتاء، ولم يعد هناك من دودة قطن.

وتنفس محمود عبد العزيز الصعداء، وقد توقع أن ينتهي من الجلوس الممل يومياً في مكتبة معهد البحوث!

ولكن، الدكتور محمد محمود إبراهيم لم يحضر!

وقيل إنه أصيب بانزلاق غضروفي اضطره لأن يأخذ إجازة طويلة من المعهد!

وذهب محمود عبد العزيز إلى المدير العام للمعهد وروى له قصته، وقال له إن الملل يكاد أن يقتله وهو في المكتبة لا يعمل، وإنما يقرأ ويقرأ فقط!

وقال له المدير العام: طيب.. إنت بتحب النحل!

فرد المعيد الشاب: والله يا دكتور أنا درست النحل في كلية الزراعة، ولكن لو أنني تخصصت في دراسته فلا بد وأن أحبه.

فقال المدير: حسناً اذهب إلى قسم النحل في المعهد، وخذ عنه بعض الدروس، ثم تابع الدراسة العملية في الإسكندرية!

يقول محمود عبد العزيز وهو يتابع رواية حكايته مع النحل: أنا فعلاً، دخلت قسم النحل في معهد البحوث بالقاهرة، وقابلت مديره حلمي عباس سليم، وهو رجل ممتاز، وتلقيت الدراسات الأولى في النحل، ولكنني بعد فترة قصيرة قلت لمدير القسم، أنا صعب عليَّ قوي لأني أحس بأني أمارس عملاً روتينياً، يعني أحضر الساعة 9 صباحاً، وأخرج الساعة 2 بعد الظهر!

إن المدير نظر إلى محمود عبد العزيز وقال له: يبقى إنت عندك نوع من الفن!

وسأله: إزاي يا أستاذ!

فأجاب المدير ضاحكاً: يا أخ محمود، إن النحل هو فن وعتالة في نفس الوقت!

ورد محمود عبد العزيز بدهشة: هو فن، لأنك في معاملة النحل تمارس الفن، وعتالة لأنك لا بد وأن تحمل صناديق العسل!

وهنا ضحك المعيد الشاب وقال للمدير: أنا مستعد.. بس على شرط أن لا يكون عملي روتينياً!

فقال له المدير: إذن سأعينك في الإسكندرية!