شارع النجوم / نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة (الحلقة 1)
فنانون: محمود عبد العزيز
نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة (الحلقة 1)

نجومية محمود عبدالعزيز حكاية.. طويلة (الحلقة 1)

ولد في حي "الورديان" وكان في صغره نجم عائلته

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1994:

كان التصفيق ما زال يدوي في مسرح "الجزيرة" الذي كان اسمه "مينوش" من قبل، للنجم الكبير محمود عبد العزيز بعدما أسدل الستار على الفصل الأول من مسرحية "727" في أول عرض لها، وظل مستمراً حتى بعد الوقت الذي كنت قد دخلت فيه إلى غرفة النجم الكبير وراء الكواليس، لكي أهنئه وأتمنى للمسرحية المزيد من النجاح والتوفيق!

وقال لي محمود عبدالعزيز:

- هل أعجبتك المسرحية؟!

فقلت له:

· لو لم تعجبني لما كنت جئت إلى هنا لتهنئتك!

فابتسم وقال:

- أفضل أن تكون التهنئة بعد الفصل الأخير..

فقلت وقد فهمت ما يقصده:

· بالتأكيد، وسوف أشاهد المسرحية إلى أن يسدل الستار على الفصل الأخير منها..

فأجاب:

- انني أتفاءل بوجودك في بداية عرض أي عمل فني جديد لي، خصوصاً وأنك عرفت قصتي الكاملة في الجلسات الطويلة التي جمعت بيننا في أكثر من بلد، وعرفت أي معاناة كانت لي في مشواري الفني.

وكان ما زال هناك وقت قبل رفع الستار، وأخذنا من جديد نستعيد ذكريات هذه الجلسات التي دونت وقائعها في مذكراتي الشخصية وفي أكثر من حوار طويل بيني وبين النجم الكبير.. وأذكر أن الحوار بدأ غزيراً ومتدفقاً منذ أن سألت محمود عبدالعزيز عن بداية مشواره كفنان وإنسان!

وسرح محمود عبدالعزيز ببصره وقال:

- أنا في الأصل من منطقة شعبية ظريفة جداً في الاسكندرية اسمها "حي الورديان" وتقع قبل حي "المكس"، وحي "الدخيلة"، وجدّي كان يعمل في عملية تموين منطقة "السلوم" بالسكر، والشاي، وغيرهما من المواد الغذائية، وقد ورث والدي عنه هذه المهنة، بل ان رجال العائلة كلهم عملوا وما زالوا يعملون في مهنة التموين هذه، وقد ذاع صيتهم في كل المنطقة، ووالدي كان يتولى تموين منطقة "العامرية" وكان نشاطه يصل إلى مرسى مطروح..

ويكمل النجم الشاب:

- وأنا نشأت في كنف والدي الذي كان يدللني كثيراً، ربما لأنه كان صبياً وحيداً لأبيه على سبع بنات، وكان مدللاً من أبيه، وكنت أنا أنعم برعاية جدي لوالدي وجدي لوالدتي أيضاً، وذاكرتي تعي حتى الآن فترات قصيرة من أيام الطفولة عندما كنت ألعب مع رفاقي الصغار في الحارة الشعبية ويضحكون عندما أحادثهم وأروي لهم القصص!

ويكمل أيضاً:

- منذ كنت في الخامسة من العمر، ولي العديد من الأصدقاء من أولاد أخوالي، وطبعاً أنا لم يكن لي أعمام، ولكن كان لي عدة اخوال، وكانت لهم مكانتهم في منطقة "الرمل" وجدي لوالدتي كان مقاولاً كبيراً جداً، وخالي حسن سعيد متولي، كان أيام زمان مدير غرفة الصناعة في الاسكندرية.

وسألته:

· ولكن، جدك لوالدتك من أي عائلة؟

فأجاب وهو يبتسم:

- من عائلة "بهايم"..

قلت مستوضحاً:

· بهايم؟

فأجاب:

- آه "بهايم"!! ويقال، والله أعلم أن جدة جدتي لم يكن يعيش لها أي مولود، بل كان كل مولود يموت بعد ولادته بيوم أو يومين، وطبعاً في تلك الأيام لم تكن الولادة تتم في المستشفيات، بل في أي مكان وعلى يد الداية، وفي احدى المرات، وعندما حان وقت وضعها لمولودها، اختارت أن تكون ولادتها داخل زريبة للحيوانات ملحقة بالبيت، ونذرت لو عاش مولودها أن تسميه "بهايم" وعاش المولود، ووفت بالنذر، وهكذا أصبح اسمه هو اسم العائلة، وليس في هذا أي غرابة، فان في مصر عائلة بارزة هي عائلة الحيوان.

وأسأل محمود عبدالعزيز:

· أنت من مواليد أي سنة؟

فأجاب:

- أنا ولدت في الرابع من يونيو "حزيران" 1946.

كانت عائلة محمود عبدالعزيز تلتقي كل صيف في جلسات سمر طويلة في مصيف اسمه "الدخيلة" وكان الطفل محمود عبدالعزيز "يتألق" في هذه الجلسات بين اخواله وأولادهم، وجميع الحاضرين، لأنه وهو ما زال في الخامسة من العمر، كان يثير الضحك بحسن تقليده للكبار في العائلة مثل جديه، وجدتيه، ووالديه.

ولا يذكر محمود عبد العزيز عن سنوات دراسته الأولى سوى انه عندما بلغ السنة الرابعة أدخله والده إلى روضة مدرسة السيدة "نبوية موسى"، التي كانت صديقة لعمته، التي كانت قد درست في هذه المدرسة وتخرجت منها، ولكنها حافظت على صداقتها لمديرتها.

ويذكر النجم الشاب، كيف انه بفضل صداقة عمته لمديرة المدرسة كان من الطلبة المدللين في الروضة بحيث يفعل ما يريده دون أن يحاسبه أو يعاقبه أحد، وأيضاً كانت المدرسات تهدينه حبات "البونبون" دائماً!

وأسأله:

· عائلة والدتك، هل كانت تنفق على دراستك بسخاء؟

فأجاب:

- آه، انها كانت عائلة ثرية، فعلاً، ووالدي وأقربائي كانوا كلهم من التجار الأغنياء، والذين لهم مكانة في الاسكندرية..

وبقي محمود، ابن عبد العزيز محمود، في روضة الأطفال بمدرسة "نبوية موسى" إلى أن توفيت عمته التي كانت صديقة لصاحبة ومديرة المدرسة، فرأى والده عندئذٍ أن ينقله إلى مدرسة "شجرة الدر" الابتدائية في حي "الورديان" ليكون قريباً من البيت.

وبدأت موهبة محمود عبد العزيز تعلن عن نفسها بمجرد دخوله إلى هذه المدرسة.

فان أحد أساتذة المدرسة اكتشف عنده موهبة تقليد الأشخاص..

وكان هذا الأستاذ يطلب إليه أن يقلد أي واحد من زملائه، فيفعل الطالب الجديد ذلك ببراعة، ثم كبرت الحكاية أكثر، وبات التقليد عادة عنده، وحدث مرة أن ذهب إلى صيدلية يملكها خاله الطبيب، وعندما عاد في آخر النهار إلى البيت فإنه أخذ يقلد جميع الذين جاؤوا إلى الصيدلية "الاجزخانة" لشراء الأدوية..

ومرة سئل الطلاب في مدرسة "شجرة الدر" الابتدائية المشتركة.

· مين منكم يعرف يمثل؟

ولم يرد محمود عبد العزيز لأنه لم يكن يعرف معنى كلمة "التمثيل" ولكنه أعلن عن إجادته للتقليد، وفعلاً اشترك كمقلد في حفلة مدرسية لا يذكر النجم الشاب من تفاصيلها سوى انها أقيمت في "شادر" نصب في "حوش" المدرسة، وقدم هو فيها تقليداً لأشخاص كثيرين، وقوبل بالتصفيق من الجمهور الذي حضر الحفلة، وكان مؤلفاً من أقربائه، وناس معروفين وبارزين في الاسكندرية.

ومن يومها صار التقليد هواية عند الفتى محمود عبد العزيز..

وذات مرة كان يقلد زبائن اجزخانة خاله الدكتور، والعائلة من حوله كلها تضحك وجاءت إلى البيت خالته زينب، ولكنها عادت على أعقابها ولم تدخل، لأنها تصورت أن في البيت خناقة!

ويقول محمود عبدالعزيز:

- وعلى فكرة فإن خالتي سميت "زينب حافظ "على اسم "عبد الحليم حافظ" لأنها كانت تجيد العزف على العود والكمان، وهي الآن متزوجة من أستاذ في كلية الصيدلة بجامعة الاسكندرية!

وشيئاً وفشيئاً أخذ حب التقليد يتحول عند محمود عبدالعزيز إلى هواية للتمثيل، ولكنه لم يكن يجد مكاناً له في فرقة المدرسة التمثيلية، التي كانت في ذلك الوقت تقدم مسرحيات وطنية مثل "كفاح شعب" و"نابليون" في مصر و"الجهاد في سبيل الحرية"!

وفي هذه الفترة بالتحديد بدأت أحلام الفن تراود محمود عبد العزيز الذي كان قد أكمل الرابعة عشرة من عمره، وصار يذهب لمشاهدة الأفلام السينمائية، وما أن يعود منها حتى يتخيل نفسه مكان أبطال الفيلم، يركض مثلهم على الشاطئ، يبارز بالسيف، يركب الحصان ويجري بسرعة، أو يقف على الشرفة ويسبح مع الخيال!

كان محمود عبدالعزيز ما زال طالباً وفي الرابعة عشرة من عمره، عندما غرق في هواية مشاهدة الأفلام السينمائية وتقليد أبطالها، ولكن عائلته كانت ترفض ذهابه إلى محطة الرمل في الاسكندرية، حيث كانت تقوم سينما "الحمراء" التي تعرض أفلاماً جديدة، بل كانت تسمح له فقط بالذهاب إلى سينما "الهلال" التي لا تبعد عن البيت أكثر من أربع محطات وتعرض فيلمين قديمين في كل حفلة!

وكان يرافقه في ذهابه إلى السينما بعض أصحابه، فيقطع معهم المسافة بين البيت ودار السينما مشياً على الأقدام، أو "يتعلقون" بأي سيارة، وهو يذكر أن أحد هؤلاء الأصدقاء خبطته يوماً سيارة مسرعة، وحطمت له أسنانه، وهذا الصديق هو الآن من ضباط البوليس الكبار.

وفي تلك السن كان محمود عبد العزيز قد بدأ يتذوق طعم الحياة الفنية، ولكن في المدرسة فقط.

ولأن المدرسة التي كان فيها تشترك في مباراة للتمثيل المسرحي مع جميع مدارس محافظة الاسكندرية، فقد جاء إلى المدرسة شاب من معهد التمثيل اسمه محمد دسوقي ليخرج الرواية العالمية "ما وراء الأفق" وأسند فيها دوراً خفيف الدم إلى محمود عبد العزيز!

وما يذكره النجم الشاب انه في يوم عرض المسرحية حضر من القاهرة الممثل والمخرج أحمد علام، والممثلان محمود السباع ومحمد وفيق، وكانوا يؤلفون اللجنة التحكيمية التي ستشاهد المسرحية، وتحدد ترتيبها في مباراة المسرح بين المدارس!

ويومها فازت المسرحية التي مثّل فيها محمود عبد العزيز على جميع المدارس، ونالت الجائزة الأولى، ومنذ ذلك اليوم أحب الطالب الشاب جو المسرح بكل مشاعره، بل انه تمنى لو أنه نام في المسرح طوال الليل حتى لا يبتعد عنه!