شارع النجوم / مشوار مع فاتن حمامة (5) / ابنتها هي صديقتها الأولى
فنانون: فاتن حمامة
مشوار مع فاتن حمامة (5) / ابنتها هي صديقتها الأولى

مشوار مع فاتن حمامة (5) / ابنتها هي صديقتها الأولى

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

ومرة ثانية عادت فاتن حمامة الى الجلوس على مقعدها تحت الشجرة الوارفة الظلال في حديقة مدينة الفنون بانتظار الإعداد لمشهد جديد تمثّله وتصوّره الكاميرا من فيلمها الجديد..
كان على مقربة منها شابة في عمر الورود ممشوقة القامة، جذابة الابتسامة، سريعة الحركة، تسمع التعليمات من المخرج هنري بركات وتوزّعها على العمال الفنيين، ثم تقبل الى حيث تجلس فاتن حمامة، وتهمس في أذنها بما سوف يحتاجه المشهد الذي سيتم تصويره بعد دقائق..
إن الفتاة إسمها إيناس الدغيدي، وهي فتاة جميلة شابة، اختارتها فاتن حمامة لتمثّل دوراً في فيلمها السابق «أفواه وأرانب» واختارت فيما بعد أن تبقى في الساحة السينمائية مساعدة للمخرج هنري بركات.
لست أدري لماذا رأيت في الفتاة الجامعية النشطة الحركة صورة عن نادية ذو الفقار إبنة فاتن حمامة..
وكانت فرصة لأسأل سيدة الشاشة العربية عن ابنتها..
أين هي؟ ماذا تفعل الآن؟
إن فاتن حمامة أشرق وجهها بالحب والسعادة عندما سمعت بإسم ابنتها وقالت لي كثيراً من الأخبار عنها..
لقد تزوجت نادية ذو الفقار من رجل الأعمال أحمد القريمي، وانتقلت إقامتها، هي وابنتها فاتن الصغيرة الى منزل الزوجية.
وكنت قد سمعت خبراً أردت أن أسألها عنه..
• هل صحيح يا فاتن أن هديتك لابنتك وزوجها يوم زواجهما كانت الفيللا الأنيقة التي كنت تقيمين فيها على شاطئ «العجمي» في الإسكندرية؟
إن فاتن حمامة ضحكت من هذا الخبر وقالت:
- وهل أنا مليونيرة حتى أقدّم هدايا بهذا الحجم ولو لابنتي..
والحكاية وما فيها، هي أن الفيللا التي كانت تقيم فيها فاتن حمامة على شاطئ «العجمي» في الإسكندرية، ليست ملكاً لها، بل كانت تسكنها بالإيجار، وبصورة مؤقتة، والى أن تنتهي من بناء فيللا فوق الأرض التي كانت قد اشترتها في الشاطئ الجميل منذ سنوات، وقبل أن يرتفع سعر الأرض في هذا الشاطئ الى أرقام خيالية..
ولقد انتهى بناء الفيللا التي ستحمل إسم فاتن حمامة في نفس الوقت الذي تمّ فيه زواج نادية ذو الفقار من رجل الأعمال الشاب، وحتى لا تخلو الفيللا التي تسكنها فاتن بعد انتقالها الى الفيللا الجديدة، فقد تنازلت فاتن عن إيجارها لابنتها وحفيدتها، خصوصاً وأن الإبنة والحفيدة قد اعتادتا تمضية فصل الصيف في هذه الفيللا منذ سنوات!..
ونادية ذو الفقار تعتبر اليوم الصديقة الأولى لوالدتها..
صحيح أن سيدة الشاشة العربية غنية بصداقاتها الاجتماعية، وأنها تتزاور مع الكثيرات من سيدات المجتمع الراقي، كما أن بيتها لا يخلو دائماً من الصديقات اللواتي يسعدهن أن يقمن بزيارتها بين الحين والآخر، ولكن الصحيح أيضاً أن فاتن حمامة بعد أن كبرت ابنتها، وصارت إنسانة ناضجة، لم تعد ترى فيها إلا صديقة حميمة!.
وكانت فاتن حمامة تحاول، منذ أن شبّت ابنتها عن الطوق، ألّا تفرض عليها وصاية شديدة، بل حرصت دائماً وفي مختلف مراحل ما بعد المراهقة، أن تتركها تبني شخصيتها المستقلة بنفسها على أن تقدّم اليها النصيحة أو المشورة عندما تطلب منها هي ذلك..
ولقد عاشت نادية ذو الفقار مع والدتها فاتن حمامة أربع سنوات في أوروبا، في الفترة التي رأت فيها فاتن حمامة أنه من الأفضل لها ولأعصابها أن تبقى بعيدة عن بلدها، وأيضاً أن تعتزل العمل السينمائي، لتستطيع رعاية ابنها طارق وابنتها نادية التي كانت قد أكملت تعليمها، وأصبحت قادرة على العيش في المجتمع الأوروبي..
وأذكر أنني قابلت فاتن حمامة في لندن في أواخر الستينات، وكانت قد رضيت بإنهاء اعتزالها للسينما، ووافقت على الحضور الى لبنان لتمثيل دور البطولة في فيلم «الحب الكبير» مع الموسيقار الراحل فريد الأطرش..
وسألت فاتن عن ابنتها التي لم أرها معها، فقالت لي:
- إنها الآن تدرس في معهد أصول السكرتاريا والاختزال..
وعدت أسألها:
• وأي مستقبل تريده لنفسها..
أجابت فاتن:
- إنها تميل الى أن تكون مترجمة فورية في المؤتمرات الدولية، وربما تجد مثل هذه الوظيفة في مؤتمرات الأمم المتحدة!.
قلت لفاتن حمامة:
• وهل من المعقول ألا يكون لها ميول فنية؟
قالت لي:
- أبداً.. وقد قلت لها أكثر من مرة أنني لا أمانع إذا هي أرادت أن تكون ممثلة، ولم أجد عندها أي حماس للتمثيل..
وكان عدم حماس نادية ذو الفقار، حينئذٍ، للتمثيل، هو الذي يدلّ على الفارق الكبير بين الأم وابنتها.
إن فاتن حمامة وهي في التاسعة من عمر ها مثّلت دوراً في فيلم «يوم سعيد» لفتت اليها الأنظار، ولكن كان من أهم آثاره أنه جعل الفتاة الصغيرة تتعلّق بالسينما، ومن ثَمّ جعلها لا تهوى غير التمثيل عندما وصلت الى سن الصبا!.
وبعد عشرين سنة تكرّرت الحكاية مع نادية ذو الفقار..
إنها كانت في السادسة من عمرها حين أظهرتها والدتها فاتن حمامة في فيلم من إنتاجها هو «موعد مع السعادة» وبالرغم من أن الدور الذي مثّلته كان صغيراً إلا أن تعابير وجهها وهي تؤدي الدور قد دلّ على أن في أعماقها موهبة ممثلة ممتازة، والعديد من المخرجين السينمائيين توقّعوا أن يعيد التاريخ نفسه، فتكون نادية ذو الفقار في صباها مثل أمها فاتن حمامة، ولكن، كان الفارق بين الأم وابنتها هو أن الدور الصغير الذي مثلته فاتن في فيلم «يوم سعيد» قد زرع في قلبها حب السينما والتمثيل بينما لم يترك الدور الذي مثّلته نادية ذو الفقار في فيلم «موعد مع السعادة» أي أثر في نفسها!.
على أن نادية ذو الفقار إذا كانت لم تحب أن تكون هي بنفسها ممثلة، فقد أحبت الجو الفني الذي عاشت فيه طوال حياتها، ومن هنا، فقد لاقى عندها قبولاً فورياً العرض الذي قدّمه لها عمر الشريف بأن تكون سكرتيرة له..
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)