شارع النجوم / مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 2) - لو نجحت كهرمان لتأخرّ ظهور فاتن!
فنانون: فاتن حمامة
مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 2) - لو نجحت كهرمان لتأخرّ ظهور فاتن!

مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 2) - لو نجحت كهرمان لتأخرّ ظهور فاتن!


كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:
ما زلت تحت الشجرة الوارفة الظلال في حديقة مدينة الفنون في شارع الهرم في القاهرة، وكلما نظرت إلى فاتن حمامة وهي تنتظر أن تصدر إليها اشارة من المخرج هنري بركات للبدء في تمثيل لقطة جديدة من فيلم «ولا عزاء للسيدات» كلما إزدادت صور ذكريات الماضي عنها تتدفق إلى مخيلتي بغزارة...
لعّل ما سجلته من ذكريات في العدد الماضي يخرج إلى حدّ ما عن نطاق فاتن حمامة نفسها، ولكن عذري في إتساع لوحة الذكريات هذه، هو أن كل الأحداث التي تُروى مرتبطة بها إلى حد بعيد...
ومن الأحداث التي لا يمكن أن ترتبط بتاريخ سيدة الشاشة العربية حدث اكتشاف الفنان الكبير يوسف وهبي لحسناء لبنانية إسمها «مرتا أجبع» وتصميمه على أن يجعل منها اكتشافه الثاني الذي يهّز العالم السينمائي العربي من اقصاه إلى اقصاه....
وعلى غرار اكتشافه الاول المطربة اللبنانية الكسندرا بدران، التي اسماها «نور الهدى» واطلقها مشعة مضيئة إلى سنوات عديدة في ساحة السينما المصرية...
لقد أراد يوسف وهبي أن يكرّر التجربة...
وكما قلت، فأنه نظر إلى مرتا أجبع من فوق لتحت، ومن تحت لفوق، ثم هز برأسه وقال لها: انت اليوم كهرمان!!
وكان عليها أن تبدأ مشوار المجد والشهرة في اليوم التالي...
و....
في تلك الفترة، ومرتا أجبع صار اسمها «كهرمان» تدق ابواب الشهرة في القاهرة، كنا نحن في بيروت نتابع اخبارها بشغف ومتعة، وقد ازداد اعجابنا بها، وسعد كل صحفي ناشىء منّا، بأن ترتفع شهرة هذه الحسناء التي كانت بيننا قبل أسابيع، تُسحرنا بفتنتها وتُصارحنا بأحلامها وتوزع على كل منا عواطفها وبسماتها بالعدل والقسطاس واذا كانت الضجة الإعلامية حول صباح ونور الهدى قد اثيرت عندما تمّ اكتشافهما بل ونجاحهما فعلا، فإن صور «كهرمان» قد ملأت الصحف بمجرد أن سافرت إلى القاهرة وقيل أنها ستكون نجمة الموسم في أفلام يوسف وهبي، وكان السبب طبعاً هو كثرة صداقاتها، والإعجاب الزائد بجمالها عند جميع الصحفيين اللذين كانوا في سن المراهقة...
وفي الوقت الذي كان فيه العديد من الصحفيين - وأنا منهم - ننتظر أن تصل اليهم الصور الأولى للنجمة الجديدة «كهرمان» من فيلمها «ملاك الرحمة» اذا بالمفاجأت غير المنتظرة تقع.. وتصل «كهرمان» نفسها إلى بيروت وهي ذابلة العينين حزينة الوجه، مكسورة الخاطر...
وتدافعنا حولها بلهفة...
ما الذي حصل يا «كهرمان»...
هل انتهيت من تصوير الفيلم بهذه السرعة؟؟
إنها ردّت على كل هذه التساؤلات بصمت يدعو الى الحيرة، ولم تقل كلمة واحدة ترضي الفضول، او تكشف عن السبب الذي حملها على العودة سريعاً إلى بيروت...
ولكن ناطقاً بإسمها، وكان على الأرجح شقيقها، همس في اذان بعضنا بأن السبب الأول الذي جعل ابنة الشمال الحسناء تترك القاهرة، وتخسر بطولة الفيلم، هو أنها رفضت أن تبيع جسدها!.
كيف؟؟
أن الناطق بإسم «كهرمان» روى قصة غريبة من نوعها، وقال ان الفتاة الحسناء عندما وصلت إلى الإستديو، لتجري أول تجربة مصّورة على الدور الذي ستمثّله، استقبلها يوسف وهبي، واشار إلى غرفة في اقصى الإستديو، وقال لها:
• ادخلي يا فتاتي إلى هذه الغرفة.. فإنها غرفة المجد، ولن تكوني جديرة بالمجد اذا لم تدخلي هذه الغرفة..
وعلى حد ما روى الناطق بإسم «كهرمان» فإنها ارتبكت وتلعثمت، ولم تدر ما علاقة الدخول إلى هذه الغرفة بوصولها إلى المجد، ذهبت ودخلت الغرفة، فوجدتها غرفة نوم أنيقة مريحة مليئة بالصور التي تدّل على أنها غرفة يسكنها الشيطان وليست مدخلاً إلى المجد...
وسأل الصحفيون المراهقون الناطق بإسم كهرمان:
• هه.. وماذا فعلت عندئذ...
فهز برأسه واجاب:
انتم تعرفون أننا نتمسك بتقاليدنا ونرفض أن نبيع أنفسنا مقابل أي شيء، ولذلك، وعندما فهمت «مرتا» معنى الدخول إلى الغرفة، آثرت أن تحافظ على كرامتها، والإنسحاب من الفيلم، والعودة إلى بيروت....
وهذه هي الحكاية من أولها إلى أخرها...
ولقد سمعت انا هذه الحكاية الغريبة كما سمعها سواي من الصحفيين، ولكنني تمهلت في تصديقها بينما سارع سواي إلى اعتبارها قصة حقيقية، فبادر إلى نشرها في الصحف وتحويلها إلى فضيحة داوية....
والواقع أنني لم أصدق ما رواه الناطق بإسم «كهرمان» لأسباب كثيرة، منها أن يوسف وهبي فنان كبير ومحترم لا يمزج بين عمله ونزواته، وأنه لا يمكن أن يضحي بإكتشاف سينمائي لمثل هذا السبب التافه، وهو عدم دخول الفتاة التي اكتشفها إلى غرفة المجد، اذا كان هناك غرفة مجد فعلاً في الإستديو، ثم أن العقل لا يتصور أن يوسف وهبي يحاول إغراء فتاة في قلب الإستديو، ويحاول أن يختلي بها في غرفة امام سمع وبصر عشرات العمال والفنيين....
وهكذا وقع العديد من الزملاء في «مطب» تصديق الرواية التي تلقفتها آذانهم من الناطق بإسم «كهرمان» ورفضتُ انا أخذ ما سمعت على محمل الجد والصدق، وبالتالي فلم انشر كلمة واحدة عن هذا الموضوع...وكان كل ما نشرته هو الخبر الذي سمعته من «كهرمان» نفسها، وهو أنها بعد أن سجلت أُغنية واحدة بصوتها في «العب يا سمك» سحب يوسف وهبي منها الدور واسنده إلى الفتاة فاتن حمامة، التي كانت قد مثّلت، وهي في التاسعة من عمرها، دوراً في فيلم «يوم سعيد» مع الموسيقار محمد عبد الوهاب!.
وعلى طريقة مخرجي السينما إنتقل بسرعة إلى المشهد.. الآخر.
إن قصة الفتاة اللبنانية مرتا أجبع التي صار اسمها كهرمان، كانت ما زالت طازجة، عندما التقيت في مكاتب مجلة «دنيا الفن» وانا في طريقي إلى حفلة الشاي التي دعاني إليها رئيس تحريرها، بالفنان الكبير يوسف وهبي، والنجمة الجديدة الشابة فاتن حمامة...
وقبل أن أبادر الفنان الكبير بالسؤال، بادرني هو بقوله:
• هل تحوّلت انا في نظر بعض زملائك إلى..راسبوتين!.
وقلت له:
معاذ الله يا يوسف بك... ولكن قصة «كهرمان» كانت غامضة بالنسبة للزملاء الذين لا يعرفونك شخصياً كما اعرفك انا، وكان هذا الغموض هو السبب في تصديقهم لحكايات رُوِيت لهم...
قال:
• اذن.. اسمع الحقيقة مني.
أجبت:
الان، او بعد حفلة الشاي التي حان موعدها...
وابتسم يوسف وهبي وقال:
• افضل ان تسمعها بعد الحفلة حتى يكون أمامنا متسع من الوقت..
ودخلت مع يوسف وهبي وفاتن حمامة إلى قاعة الإستقبالات التي أقيمت فيها حفلة الشاي، وكان حول المائدة حشد كبير من الصحفيين والفنانين اذكر منهم: عفاف شاكر «شقيقة النجمة شادية» وكانت يومها ممثلة كبيرة، ومديحة يسري واستاذ التمثيل الاول في مصر زكي طليمات، والموسيقار محمد حسن الشجاعي، وغيرهم وغيرهم...
ولأن الحفلة تقيمها صحيفة مصرية لتكريم صحفي لبناني، فقد كانت عامرة بالخطب، وكان اول المتكلمين هو يوسف وهبي ، الذي قال أن الذين يتهمون الفنانين المصريين بمحاربة اخوانهم الفنانين اللبنانيين هم أشبه بالذي يحاول الإيقاع بين أفراد الاسرة الواحدة ثم قال أن عروبة الفن المصري لا جدال فيها ولا شك، وأن احداً لا يمكن ان يجرد اي عربي من عروبته، ثم اعلن: «والله لو جئت ببذور اوروبية، زرعتها في صحراء العرب القاحلة لانبتت أعرابا»!
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)