شارع النجوم / مشوار مع فاتن حمامة «4» / كاد إسمها.. أن يكون: سعاد
فنانون: فاتن حمامة
مشوار مع فاتن حمامة «4» / كاد إسمها.. أن يكون: سعاد

مشوار مع فاتن حمامة «4» / كاد إسمها.. أن يكون: سعاد

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

تتحرّك فاتن حمامة أمامي تمثّل مشهداً جديداً أمام الكاميرا وهي في منتهى الحيوية والإبداع والإنسجام، ويستغرق تصوير المشهد أكثر من ساعة، وعندما تنتهي منه تعود الى مكانها تحت الشجرة دون أن تلهث من التعب، أو تشكو من الإرهاق..
وأتأملها للحظات..
إن جمالها ما زال مشرقاً..
وحسنها ما برح متألقاً..
ورشاقتها توحي بأنها من بنات العشرين..
وأتذكر الأسئلة التي تنهال عليّ كلما كنت في أي مجتمع فني أو غير فني، عن فاتن حمامة، وهي أسئلة ليس لها من سبب سوى أن الناس ما زال يبهرهم بريق الصباح في وجهها وفنها وشخصيتها، ويريدون أن يعرفوا الى أية مرحلة من العمر يمكن للمرأة أن تحتفظ برأسمالها الأنثوي الأهم الذي هو.. الجمال..
إنني لا أتهرب من الإجابة على الأسئلة التي تُوجّه اليّ عن السن الذي بلغته سيدة الشاشة العربية، بل أقول لكل من يسألني إن سن فاتن حمامة مسجّل بأكبر الحروف في تاريخ السينما العربية، فهي مثّلت في فيلم «يوم سعيد» مع الموسيقار محمد عبد الوهاب وكانت في التاسعة من عمرها، والفيلم أنتج في عام 1942 أي أنها من مواليد عام 1933، وهي الآن في السادسة والأربعين من العمر..
وإذا كان بعض الناس يتصورون أن فاتن حمامة هي أكبر من ذلك، فإن هناك سبباً واحداً لهذا التصوّر، وهو أن الممثلة العربية الأكثر شهرة وتألقاً قد بدأت حياتها الفنية في سنّ مبكّرة، أي في التاسعة من العمر، ولا شك أن تردّد إسمها على الألسنة، وامتلاء العيون من صورها على مدى خمسة وثلاثين عاماً هو ما يحمل على الظنّ بأنها قفزت الى ما فوق الخمسين..
ولقد كان هناك رهان قام بيني وبين إحدى السيدات العربيات أخيراً..
إنها قالت لي:
• هكذا أنت.. لأنك تحب فاتن حمامة فإنك تريد دائماً إقناعي بأنها ليست كبيرة في السن..
وقلت للسيدة العربية:
- وهل تعتقدين أن حبي أو حب جماهير السينما العربية كلها لفاتن حمامة يتوقف على السن الذي وصلت اليه.. ومع ذلك، فأنا على استعداد لأن أراهنك بالأرقام والوقائع على أن سنها لا يزيد عن ستة وأربعين عاماً..
سألتني:
• كيف؟
قلت لها:
- إنني أتحدّى أياً كان أن يأتي لي بسيدة أو آنسة عربية تحمل إسم «فاتن» وتكون من مواليد أي سنة قبل عام 1942، أي العام الذي ظهرت فيه فاتن على الشاشة السينمائية في فيلم «يوم سعيد»..
واستغربت السيدة العربية ما أقوله وسألتني:
• ماذا تعني بهذا الرهان؟
قلت:
- أعني، أن إسم «فاتن» لم يكن معروفاً أو متداولاً في العالم العربي، ولم تحمله أية بنت عربية إلا بعد ظهور فاتن حمامة على الشاشة السينمائية، ولهذا فإذا وجدت أن هناك من تحمل إسم «فاتن» ومن مواليد قبل عام 1942، أكون أنا قد خسرت الرهان، وأكون مستعداً للإعتراف بأنني أخطأت في التقدير.
إن السيدة العربية قد قبلت الرهان.. ولكنها حتى الآن، وبعد مضي أكثر من سنة عليه، لم تكتب لي أنها عثرت على سيدة، أو آنسة عربية تحمل إسم فاتن حمامة، وعمرها أكثر من ستة وثلاثين عاماً، وهكذا فإن الإسم الذي حملته سيدة الشاشة العربية، بالإضافة الى صورتها في فيلم «يوم سعيد» يحمل تاريخ مولدها غير قابل للمناقشة أو التقدير الشخصي..
ولكن.. من أين جاء إسم «فاتن»، ومن ابتكره، ولماذا سميت به وهو إسم غريب من نوعه، ويمكن أن يُطلق على ولد لأنه إسم مذكر، ولو رُوعي أن يكون منطبقاً على أنثى لكان يجب أن يكون «فاتنة» وهو إسم منتشر كثيراً في المجتمع العربي ماضياً وحاضراً..
إنني أردت أن أعرف حكاية إسم «فاتن» من والدها المرحوم أحمد حمامة، الذي كان موظفاً في وزارة التربية والتعليم، في أول زيارة قمت بها لبيت «حمامة» في حي «المنيرة» عندما دعتني فاتن حمامة الى تناول الغداء مع عدد من الزملاء الصحفيين..
إن الوالد، وكان يومها شاباً يافعاً ووسيماً قال لي عندما سألته عن سبب اختياره إسم «فاتن» لابنته التي تقبل عليها الشهرة:
• هل تصدّق أن «فاتن» كادت ألاّ تولد..
قلت له:
- أريد أن أسمع الحكاية..
ورواها لي..
إن السيدة زوجته عندما ظهرت عليها بوادر الحمل في عام 1931 كانت ما زالت تعبة مرهقة من تربية ثلاثة أطفال أنجبتهم من قبل، ولذلك فقد فكّرت في التخلّص من الجنين الذي ينمو في أحشائها ووافقها زوجها أحمد أفندي حمامة على ذلك لأنه بالفعل كان يشعر كم هي مرهقة في تربية أطفالها..
وأرادت الأم أن تذهب الى الطبيب لتدبر أمر إجهاض الجنين، ولكن، في الليلة التي سبقت زيارتها له، أفاقت من نومها فزعة في منتصف الليل وهزّت زوجها لتروي له حلماً غريباً رأته في نومها..
ما هو هذا الحلم؟
قالت الأم: «رأيت حظيرة الحمام التي هي في بيتنا وقد اتسعت، وأسراباً كثيرة من الحمام تأتي لتحطّ فيها، ثم رأيت حمامة بيضاء صغيرة تحملها حمامة كبيرة في فمها، وتحطّها بعدئذٍ على مهل بين الحمام».
وسألت الزوجة زوجها:
• يعني ايه المنام ده يا سي أحمد؟
ويبتسم الأب قائلاً:
• معناه إن المولود الذي في أحشائك أنثى، وأنها ستكون كالحمامة البيضاء في جمالها، وأن الخير سيهبط علينا مع قدومها..
وقالت الزوجة:
• أحمد.. لقد سعدت بهذا الحلم، ولن أجهض المولود..
وكان الأب أكثر سعادة منها بالقرار الذي اتخذته لأنه كان يحب للعائلة أن تكبر ويزيد عدد أفرادها، خصوصاً وأنه قادر على تربيتهم والإنفاق عليهم..
إن شهور الحمل التسعة مرّت بسرعة، وكان أحمد حمامة عائداً ذات يوم من عمله في وزارة التربية والتعليم «وكان إسمها يومئذٍ: وزارة المعارف» عندما سمع الزغاريد تنطلق من بيته، فأيقن أن زوجته قد وضعت مولودها بالسلامة، وما إن دخل الى غرفتها ليقبّلها ويبارك لها، حتى صاحت:
• أحمد.. إنها بنت.. وقد سميتها: سعاد!.
فهزّ برأسه وقال:
- ألف مبروك لك على سعاد.. ويا رب اجعل أيامها سعيدة كلها..
وفي اليوم التالي ذهب الوالد الى القسم ليسجّل ولادة ابنته، ولكنه لم يجد الموظف المختص، فعاد أدراجه الىالبيت على أن يقوم بالتسجيل في اليوم الثاني..
ولكن..
في خلال ذلك اليوم حدث ما جعل إسم المولودة يتغيّر..
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)