شارع النجوم / مشوار مع فاتن حمامة «1»
فنانون: فاتن حمامة
مشوار مع فاتن حمامة «1»

مشوار مع فاتن حمامة «1»

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

الحركة تملأ حديقة مدينة الفنون بشارع الهرم في القاهرة ..
فنيون وعمال وممثلون وممثلات يروحون ويجيئون..
والمخرج هنري بركات ينتقل من مكان الى آخر، يوزع التعليمات، يلقي نظرة هنا ونظرة هناك، ويهئ للقطة جديدة، ستصور في فيلمه «ولا عزاء للسيدات »وهو الفيلم السينمائي الذي أختارت قصته فاتن حمامة لتعود بها الى الشاشة السينمائية مجدداً، بعد أن غابت عنها عامين منذ ان مثلت فيلمها «أفواه وأرانب» وأن كانت في هذه الفترة قد دخلت، كممثلة، عصر التلفزيون وأنتجت لحسابها عددا من الروايات للشاشة الصغيرة..
وعندما كانت الحركة قائمة قاعدة في حديقة مدينة الفنون، كانت فاتن حمامة، قبل غيرها من الممثلين والممثلات قد استعدت لتمثيل اللقطة الجديدة في الفيلم، وجلست تحت شجرة وارفة الظلال بأنتظار الانتهاء من ترتيبات التصوير للمشهد الذي يبدو فيه بطل الفيلم عزت العلايلي، وهو يطلق عليها الرصاص في شارع عام عندما تهمّ بركوب سيارتها..
وكنت مع فاتن حمامة، الأنيقة، الرقيقة، الراقية، الجميلة دائماً، تحت هذه الشجرة الوارفة الظلال، وكانت عندي اللهفة لكي ارى فاتن حمامة تمثّل المشهد، ومجرد رؤيتي لها وهي تمثّل امام الكاميرا، يجعلني أستعيد العديد والكثير من الذكريات عن مشوارها الفني الطويل الذي كان من حظي انني شهدت بدايته ..
ان الشمس المشرقة على امتداد ارض حديقة الفنون في شارع الهرم، أيقظت في ذاكرتي صورا من الماضي البعيد عن لقاء لي مع فاتن حمامة في مكان مماثل، أو ربما في مكان قريب منه، وكان هذا المكان هو حديقة غناء تملكها أحدى آكبر سيدات السينما المصرية في بداية نهضتها، المرحومة عزيزة امير..
ولكن..
لماذا لا أبدأ الذكريات، من أولها ؟؟
أنها تتوالى امام ناظري، وكانها احداث فيلم سينمائي طويل، مثير وممتع في نفس الوقت..
ولكي لا أشغل فاتن حمامة عن الاهتمام باللقطة التي ستصوّرها لها الكاميرا بعد لحظات، فقد رحت وحدي أجول بعيني في أرجاء حديقة مدينة الفنون، وأستعرض الذكريات التي أجمل ما فيها أنها ظلت مستمرة في كل مرحلة زمنية كانت فيها فاتن حمامة تزداد لمعاناً، وتألقاً، ويبقى لها وحدها عرش السينما العربية الذي صمد ثلاثين عاماً، أي الفترة التي هوت فيها تيجان كثيرة، وزالت عروش عدة وظهرت خلالها وانطفأت عشرات النجوم..
أنني، في بداية حياتي الصحفية، كنت مشدودا الى القاهرة، وتواقاً الى رؤيتها، وأزهى احلام الصبا عندي هي أن أزور تلك المدينة العربية العريقة التي بُهرت بعظمتها من خلال رؤيتي لها في الأفلام السينمائية، وأن أتعرف عن كثب الى نجومها الذين كان بريقهم يشعّ على أمتداد الوطن العربي، ويجعل منهم اساطير تلهب الخيال..
ولقد استطعت، وأنا في سن صحفية مبكرة، من السفر براً الى القاهرة، عن طريق فلسطين التي لم تكن محتلة بعد، ومنذ أن صحوت من النوم، في اليوم التالي لوصولي اليها، أتجهت على الفور الى مكتب مجلة «دنيا الفن» في شارع توفيق، وكان الهدف الاول لي أن أتعرف شخصياً على عدد من الزملاء الصحفيين الذين يكتبون فيها، وكنت قد تعرفت بهم عن طريق رسائل متبادلة بيني وبينهم .
ولقد كانت أول مفاجاة سارة لي بمجرد أن دخلت مكاتب المجلة هي أنني رأيت نفسي وجها لوجه أمام أحمد سالم، دون جوان الطبقة الراقية، ونجم السينما الساطع في الأربعينات، وكان وجها محبوباً الى كل جيله من الشباب والفتيات، وكانت شخصيته تستهويني أكثر، لانني كنت أتابع كل أفلامه، وأيضاً كل أخبار مغامراته العاطفية، التي كان أولها مغامرة مثيرة مع كاميليا، أجمل وجه ظهر على الشاشة السينمائية في الاربعينات، وآخرها كانت المغامرة التي أنتهت بزواجه من النجمة الرائْعة الحسن والجمال مديحة يسري، التي كانت تجّسد في شخصيتها ارستقراطية المرأة، وأناقتها، وكبرياء الأنوثة عندها !..
وكان أول «خبر» عرفته وأنا أدخل مكاتب «دنيا الفن» هو أن احمد سالم شريك في أصدار هذه المجلة، وأن شراكته فيها كانت جز ءا من خطة ذكية أعدّها للسيطرة على الاعلام الصحفي الفني، في مواجهة منافسة النجم المرحوم أنور وجدي، الذي لم يكن مثقفاً كأحمد سالم، ولا ارستقراطياً مثله، ومع ذلك فقد استطاع أن يكتسح بأدواره وأفلامه الساحة السينمائية، ويتفوق على كل منافسيه من نجوم السينما الشباب .. وأحمد سالم منهم طبعاً..
وعلى أية حال، فأن قصة أحمد سالم ليست هي التي تروى الان..
والمهم، أن سعادتي بلغت الذروة عندما وجدت نفسي وسط زملاء أحببتهم عن بعد، وتعرفت اليهم عبر الرسائل التي لم تكن تتوقف، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر خليل عبد القادر «وكان رئيساً لتحرير المجلة»، جليل البنداري، عبد الحليم بيومي، حسن عثمان، أنور عبدالله، محمد السيد شوشة، عبدالله أحمد عبد الله، الشهير بـ «ميكي ماوس»!.
ومن ساعة اللقاء الاولى مع كل هذا الحشد من الزملاء وجدت نفسي غارقاً في «قضية» فنية خطيرة ومثيرة.
أن خليل عبد القادر«رحمه الله» قال لي:
• لا بد أنك تعرف بأن في القاهرة الان عدد كبير من النجوم اللبنانيين.
قلت:
- أعرف أن عندكم فعلاً العدد الكبير منهم: نور الهدى، صباح، محمد سلمان، لور دكاش، وغيرهم..
وأستمر رئيس التحرير الصديق يقول لي:
• أرجوك .. اذهب لزيارتهم جمعياً، وأسالهم أذا كانوا يعانون من أية متاعب في مصر، وأذا كان هناك فعلاً من يحاربهم، أو يحاول أبعادهم عن مصر !.
قلت:
- ومن الذي قال أنهم يحاربون ..
أجاب :
• لقد ظهرت مقالات في الصحف اللبنانية تتهم الهيئات الفنية المصرية بأن صدرها يضيق بالنجاح الذي يحققه الفنانون اللبنانيون في مصر، ولهذا تحاول وضع العراقيل في طريق عملهم..
وصارحت المدير قائلا:
- هذه ليست «قضية» .. وحتى لو جعلوا منها قضية فيمكن حلها بـأعلان الحقائق و.. النوايا الحسنة.
وضحك خليل عبد القادر وقال:
• الحقائق أنت ستراها بنفسك، أما «النوايا الحسنة» فأننا سوف «نعلنها» أمامك غدا، في حفلة شاي نقيمها هنا تكريما لك، وتكون فيها مع مجموعة من أهل الفن والصحافة!.
- وهكذا تواعدنا على لقاء الغد..
... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)