شارع النجوم / شارع يحمل اسم فاطمة رشدي.. وهي لا تجد غرفة في المدينة الكبيرة!.(حلقة 2 والاخيرة)
فنانون: فاطمة رشدي
فاطمة رشدي تعطي محمد بديع سربيه معلومات عن مسيرتها الفنية

شارع يحمل اسم فاطمة رشدي.. وهي لا تجد غرفة في المدينة الكبيرة!.(حلقة 2 والاخيرة)

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1983 :

عندما جاء الإفطار، تركتها تأكل بهدوء، وأخذت أطالع مجموعة أوراق كتبتها وجاءت بها إلي، وهي لا تضيف كثيراً إلى قصة حياتها التي أعدها قسم المسلسلات في مجلة الموعد، والتي سوف تأخذ طريقها إلى النشر ابتداء من العدد المقبل، إلا أن الجديد الذي عرفته من خلال ما كتبته هو تاريخ ميلادها، فقد كتبت بخطها أنها ولدت في بلدة "دمنهور" يوم الثالث من فبراير عام 1908، أي أنها بلغت الآن الخامسة والسبعين من العمر، ومع ذلك فإن مظهرها العام يدل على أنها أكبر من هذه السن، وربما كان السبب هو الأمراض التي تعاني منها!.

وكنت في الليلة التي سبقت لقائي مع فاطمة رشدي، قد صادفت في سهرة خاصة، رجلاً مسناً كان من العاملين في المسارح أيام كانت فاطمة رشدي من نجومها المتألقة، وسمعت عنه بعض حكايات عنها..

قال الرجل:

- كانت فاطمة رشدي ذات شخصية قوية وذكية على المسرح، ودائماً كانت حاضرة البديهة وعلى استعداد لمجابهة أي موقف حرج، وقد كانت يوماً تمثل دور البطولة على مسرح فرقة يوسف وهبي في رواية اسمها «تيار الملذات».

ويومها كانت الممثلة الكبيرة أمينة رزق تمثّل دور خادمتها.. لأنها لم تكن بعد قد وصلت إلى أدوار البطولة في فرقة رمسيس..

وفي أحد المشاهد، كانت فاطمة رشدي تجلس حزينة كئيبة في الصالون المظلم وتدخل خادمتها إليها وهي تحمل شمعداناً لتنير به الغرفة، ولم تتنبّه الخادمة التي هي أمينة، إلى أن نار الشمعدان قد اتصلت بإحدى الستائر فاشتعلت، وأخذت ألسنة اللهب تندلع بشكل خشي جمهور المتفرجين معه أن يحترق المسرح كله، وكاد أن يتدافع إلى الخروج، لولا أن فاطمة رشدي قامت من على كرسيها، وأخذ تطفئ النار بيدها بكل هدوء. وتطلب من الخادمة مساعدها في ذلك، وعندما أتمت الاثنتان إطفاء النار، التفت فاطمة رشدي إلى أمينة رزق، وقالت لها:

- تأبى النار التي تلتهب في قلبي إلا أن تتجاوزه إلى الأثاث..

وصفق الجمهور بشدة، وقد ظنّ أن اشتعال النار وإطفاءها هو أحد مشاهد الرواية، ولم يدر طبعاً أنه حتى الجملة التي قالتها فاطمة رشدي هي من ارتجالها!..

وأضاف الرجل المسن قائلاً:

- ولكن في مسرحية أخرى كان مفروضاً في المشهد الأخير من أحد الفصول أن تحمل فاطمة رشدي مسدساً وتطلق منه الرصاص على خصم لها، وفعلاً رفعت المسدس ولكنه لم ينطلق، وحاولت مرة ثانية وثالثة، ولكن عبثاً، ولم يسعها عندئذ إلا أن ترمي المسدس على الأرض، وتصرخ غاضبة أسدلوا الستار!!

وكانت فاطمة رشدي قد أنهت إفطارها، فأعدت عليها ما كنت قد سمعته عنها بالأمس من حكايات فقالت:

- وأضف إليها هذه الحكاية!

كان دوري في رواية "الذهب" التي مثّلتها مع فرقة يوسف وهبي على مسرح "رمسيس" هو دور غلام فقير متشرد، يرتدي سترة وبنطلوناً ممزقين، وهو عاري الساقين بادي الرثاثة، وكان الطقس بارداً جداً، وجلست أنا بين الكواليس أنتظر أن يحين موعد ظهوري على المسرح، وتدثرت بشال اسباني حريري كبير غالي الثمن، منقوش بورد كبير وزهور حمراء أرجوانية..

وفجأة، ناداني مدير المسرح لكي أدخل المسرح وأبدأ تمثيل دوري، وأسرعت بالدخول وقد نسيت أن أخلع شالي الثمين، ورأى الجمهور غلاماً فقيراً متشرداً ممزق الملابس يلف كتفيه بشال نسائي كبير وثمين، وعلت همسات ساخرة، وابتسامات تنذر بانفجار عاصفة من الضحك الطويل والاستهزاء القاتل، وأدركت حراجة الموقف، فتقدمت بخطوات ثابتة إلى ممثلة كانت تقوم بدور عجوز متشردة تعيش مع الغلام المتشرد، وقلت لها في مرح الصبا وهمس محترفي اللصوصية: "انظري يا أماه إلى هذا الشال الجميل، لقد سرقته من أحد الحوانيت وجئتك به ليقيك شر البرد"!..

وبهتت الممثلة لهذا المشهد الذي لا وجود له في الرواية..

ولكني وأنا أضع الشال حول جسمها همست في أذنها بما فهمت منه أن عليها أن تمضي في تمثيل دورها بصورة طبيعية..

وهكذا، أنقذت نفسي من موقف حرج!..

وطال الحديث بيني وبين فاطمة رشدي..

وهو حديث قد يصلح للنشر بعد أن تروي «الموعد» في المسلسل الذي يبدأ في العدد المقبل، إلا أنه كان عندي فضول إلى معرفة أصل وفصل فاطمة رشدي..

وقلت لها:

• كل شيء عرفته عنك، ولكن اسمك الحقيقي، ما هو؟؟

أجابت:

- اسمي الحقيقي فاطمة خليل، لأن والدي كان اسمه خليل آغا..

قلت:

• إذن، من أين جاء اسم "رشدي"..

أجابت:

- كان في الإسكندرية فرقة تمثيلية اسمها فرقة عبد الرحمن رشدي، وقد أخذتني والدتي إلى مدير هذه الفرقة لكي يضمني إليه، وكنت يومئذ في العاشرة من عمري، وقال مدير الفرقة وهو يوافق على أن أكون ممثلة في فرقته: يبقى نسميها فاطمة رشدي..

وهنا يخطر لي سؤال، وأقول لها:

• يبدو لي أن والدتك كانت «مودرن» بالنسبة لتلك الأيام!..

فأجابت:

- على العموم احنا أوروبيين، أمي مصرية فعلاً، ولكن والدي من يوغسلافيا، ومن بلدة اسمها «البلطيق» على البحر الأسود، وهو ليس تركياً، ولكن الإمبراطورية التركية عندما احتلت بلادهم فرضت عليهم جنسيتها. وهكذا جاء إلى مصر على أنه تركي..

قلت:

• وهل أشهر إسلامه في مصر..

أجابت:

- لا .. إنه مسلم من يوغسلافيا، وفي بلاده أكثر من ثلاثة ملايين مسلم!..

ولم يكن عندي ما أقوله..

ولكنها كانت قد قالت الكثير، مما سيكون أشبه بتعليق على قصة فاطمة رشدي التي ستكون مسلسلاً جديداً تستقبله صفحات «الموعد»!..

إنها قصة المجد، والنجاح والتألق.. وفنانة عظيمة لا تجد غرفة تقيم فيها في مدينة كبيرة كرّمتها بإطلاق اسمها على أحد مسارحها، وأيضاً على أحد شوارعها!..