شارع النجوم / شارع يحمل اسم فاطمة رشدي.. وهي لا تجد غرفة في المدينة الكبيرة!.(حلقة 1)
فنانون: فاطمة رشدي
محمد بديع سربيه وفاطمة رشدي عام 1983

شارع يحمل اسم فاطمة رشدي.. وهي لا تجد غرفة في المدينة الكبيرة!.(حلقة 1)

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1983 :

كان الموقف مأساوياً ومثيراً..

• المكان: مدينة، السويس، حيث كان يقام مهرجان سينمائي يوزع فيه وزير الثقافة في جمهورية مصر العربية محمد عبد الحميد رضوان الجوائز على عدد من نجوم السينما وروادها السابقين..

• والزمان: شهر شباط، فبراير، الماضي!..

ويعلن المذيع أن هناك ميداليات تحمل اسم "طلعت حرب" سوف توزّع على عدد من فناني وفنانات الأمس الكبار، ممن تركوا بصمات بارزة على الحياة الفنية في العالم العربي، وقد سميت الميداليات باسم طلعت حرب باشا لأن هذا الرجل كان هو مؤسس ستديو مصر، الذي كان أول ستديو سينمائي في الشرق الأوسط، وأساس النهضة السينمائية التي كبرت وعمت العالم العربي!..

وأعلن مذيع الاحتفال أنه يدعو الفنانة الكبيرة السيدة فاطمة رشدي لكي تتقدّم من المسرح وتتسلّم من وزير الثقافة ميدالية طلعت حرب، باعتبارها من رائدات الحركة المسرحية والسينمائية!..

وقامت من على مقعدها سيدة متقدّمة في السن، تحمل على كتفيها، وبين ملامح وجهها، بقايا ترف فني طال استمتاعها به وذكريات مجد مسرحي وسينمائي ربما لم تنعم بمثله فنانة عربية لا من قبل ولا من بعد.

وتحركت فاطمة رشدي نحو المسرح، حيث كان الوزير ينتظرها باسماً..

إن هذا تقدير جديد تناله الفنانة التي أعطت المسرح المصري أحلى سنوات شبابها، وكان لها في عالمه قصة كفاح أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخه..

ومن قبل نالت فاطمة رشدي تكريماً من الدولة عندما سمي أحد شوارع محافظة الجيزة باسمها!..

وكان لها تكريم آخر عندما سمي أحد مسارح القاهرة باسمها!..

وتسلمت فنانة الأمس الكبيرة الميدالية من وزير الثقافة، ولم تكتف بكلمة الشكر توجهها إليه، بل أنها قالت له:

- يا سيادة الوزير أرجوك، أنا تعبت من الإقامة في السويس، إن الجو هنا لا يلائم صحتي، وأنا مصابة بأمراض عديدة منها الروماتيزم، وتصلب الشرايين، والانزلاق الغضروفي!

وسألها الوزير:

• وليه يا مدام فاطمة تعيشي في السويس!..

فقالت فنانة الأمس الكبيرة:

لأنه ما عنديش شقة في القاهرة، إن حالتي المادية ساءت كثيراً منذ سنوات، فاضطررت إلى الإقامة في شقة رخيصة الأجرة بمدينة «الصباح» في السويس، كنت أرجو أن تتحسن صحتي هنا، ولكن العكس هو الذي حدث، بالإضافة إلى أن الوحدة تكاد أن تقتلني وأنا أعيش هنا وحيدة، وبعيدة عن الناس، وعن الأطباء الذين لابد أن أذهب إليهم باستمرار لأعالج من دستة الأمراض التي أعاني منها!..

ووجد وزير الثقافة نفسه ليس أمام مأساة فقط، بل وأيضاً أمام مفارقة مثيرة، فنانة يسمى شارع ومسرح باسمها في مدينة القاهرة الكبيرة وهي لا تجد ولو غرفة صغيرة تقيم فيها في هذه المدينة!..

والتفت الوزير إلى صديقه محافظ الجيزة الذي كان يحضر معه الاحتفال وسأله:

هل هذا معقول يا حضرة المحافظ!..

وعلى الفور كتب المحافظ على أمر بإيجاد شقة للسيدة فاطمة رشدي في محافظة الجيزة، وإن أمكن في نفس الشارع الذي يحمل اسمها!..

ولست أدري إذا كانت فاطمة رشدي قد أخذت الشقة التي وُعْدت بها أم أنها ما تزال تقيم في «السويس» حيث سعيت إليها، وأنا في شوق ملح إلى أن أجالس الفنانة التي تروى عنها الأساطير في التاريخ المسرحي، والذي أمضى عميد المسرح الراحل يوسف وهبي، رحمه الله ذات يوم أكثر من ساعة وهو يحدثني عنها وكيف دارت بينه وبينها رحى معارك كلامية وفنية كانت أكثر عنفاً من الروايات التي يمثّلها كل منهما مع فرقته على المسرح!..

إن فاطمة رشدي اعتذرت من عدم استطاعتها استقبالي في شقتها في مدينة «السويس» وأرسلت تقول لي بأنها تحضر إلى القاهرة ثلاث مرات في الأسبوع، وهي على استعداد لأن تلتقي بي في المكان الذي أحدده، بشرط أن يكون أحد ما بانتظارها في مقهى «الأمريكين» في أول شارع سليمان باشا، لأنها تذهب إلى هذا المقهى لتستريح فيه بمجرد أن تنزل من القطار الذي يقلّها من السويس إلى القاهرة!..

وكان بيننا، عبر الاتصالات الشفهية، اتفاق على أن يكون اللقاء في الغرفة التي أقيم بها في فندق «شيراتون القاهرة»..

وفعلاً حضرت فاطمة رشدي إلى مقهى «الأمريكين» في الموعد المحدد، ومنها انتقلت مع مرافق خاص إلى فندق «شيراتون القاهرة» وما كادت تستقر في غرفتي، حتى أخرجت من حقيبة يدها وساماً رفيعاً كان قد منح لها تقديراً لفنها، ثم قالت لي:

- هه. عاوز تسألني عن إيه؟؟..

قلت لها:

• أنا أحببت يا مدام فاطمة أن أراك، لأنني شغلت طوال الأشهر الماضية، بجمع كل المعلومات والتفاصيل عن قصة حياتك، لأنني لا أتصور ألاّ يكون هناك قصة كاملة عندك أنت!؟..

فأجابت:

- ولكن أنا مهتمة الآن بكتابة تاريخ حياة عزيز عيد، أنه فنان عظيم، ومن أقطاب المسرح العربي الكبار، وحرام أن يذهب تاريخه مع الريح ولا تعرف الأجيال شيئاً عنه..

قلت:

• عزيز عيد كان زوجك، وأيضاً مخرج رواياتك المسرحية، وهو لبناني الأصل..

وقاطعتني فاطمة رشدي قائلة:

- دلوقت أنا عاوزة أفطر.. وبعدين أكمل الحديث!..

وطلبت لها فطاراً..