شارع النجوم / النجم المتعدد المواهب و.. الحكايات «8»
فنانون: سمير صبري
حديث بين محمد بديع سربيه وسمير صبري في بيته

النجم المتعدد المواهب و.. الحكايات «8»

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1990:

كان التعب قد أخذ مني ومن سمير صبري كل مأخذ بعد أن مشينا ونحن لا ندري عدة كيلومترات، وكان هو مندمجاً في رواية ذكرياته بشكل مشوّق وجذّاب جعلني أتصوّر أنه يمكن أن تكون عنده موهبة غير معلنة تضاف الى مواهبه المتعددة وهي كتابة السيناريو..
وبالصدفة توقفنا على مدخل بلاج لا تدل مظاهره على أنه شعبي، ولا على أنه مفتوح للجميع، بل إنني من خلال نظرة عليه من بعيد لم أر فيه الازدحام البشري الذي رأيته في كافة البلاجات التي مررنا بها والممتدة على طول كورنيش الإسكندرية.
وقلت للنجم الصديق:
• لو نستطيع أن نجلس في هذا البلاج لأسمع منك ذكريات «النادي الدولي» التي يبدو أنها كثيرة وطريفة وتحتاج الى أن أسمعها بهدوء..
فابتسم وقال:
- ولا يهمك، إن هذا بلاج «نادي السيارات» وهو بلاج خاص، وأستطيع الدخول اليه بسهولة لأنني عضو فيه..
ودخلنا بالفعل..
وجلسنا على مائدة بحرية صغيرة.. وقبل أن يجيء «الميتر» بالمرطبات كنت قد فتحت مع سمير صبري ملف ذكريات «النادي الدولي»!.
وقلت له:
• كيف تحوّل برنامج «النادي الدولي» من برنامج إذاعي الى تلفزيوني؟
- على امتداد سبع سنوات، من عام 1964، الى 1971، ظلت علاقتي حسنة وجيدة بالوزير الدكتور محمد عبد القادر حاتم، حتى في الفترة التي ترك فيها الوزارة، لأنني اعتبرته أباً روحياً لي لأنه هو الذي مهّد لي الطريق للوصول الى أول نجاح لي في التلفزيون..
ثم أكمل:
- وقد عاد الدكتور حاتم وزيراً للإعلام في عام 1971، وقال لي إنه يريد أن يعيد للتلفزيون أمجاده، وحيويته وحركته وكان المسؤول عن برامج المنوعات في التلفزيون يومها هو المخرج محمد سالم، فاقترح أن أقدّم أنا برنامج «ما يطلبه المشاهدون» إلا أن الوزير الدكتور حاتم قال له: «إن سمير أكبر بمواهبه من أن يقدّم برامج يقتصر دوره فيها على ذكر أسماء الذين يطلبون الأغنيات» ثم التفت اليّ وقال: «برنامجك الإذاعي «النادي الدولي» حلو قوي، اعمله في التلفزيون، وكانت البداية من هنا، وقد قدّمت حلقة تجريبية كانت مدتها ساعتين».
سألته:
• وماذا كان فيها..
فأجاب:
- أذكر أنها تضمنت لقاءات مع سامية جمال، ولاعب الدفاع في نادي الزمالك يكن، وعبده نصحي، اللاعب في نفس النادي، وطبعاً عملت التوليفة التجارية المشابهة لما تقدمه الأفلام العربية والهندية، والتي تشمل الكرة، والفن، والثقافة، و... الخ، وكانت داليدا «مكسرة الدنيا» في ذلك الوقت، ولما كنت أعرف أنها قامت ببطولة فيلم «سيجارة وكاس» فإني بحثت في مكتبة التلفزيون وقدّمت مشهداً من الفيلم، وأجريت لقاء بين داليدا، وسامية جمال وكوكا، وقد نجحت هذه الحلقة، وقضى الدكتور حاتم على المحاولات التي بذلت داخل التلفزيون لعدم استمرار البرنامج، وقال: «البرنامج لازم يستمر»، ولكي لا أكون أنا نجم البرنامج لوحدي، فإن المخرج محمد سالم، أفتى بأن تشاركني في تقديمه مذيعتان، أختارهما أنا من بين مذيعات جديدات، كان عددهن يزيد على العشرة وفعلاً، وكما كانت تشاركني في تقديم البرنامج إذاعياً مذيعتان هما: سناء منصور، وإيناس جوهر، فقد اخترت لتشاركني تقديم «النادي الدولي» تلفزيونياً المذيعتان سلمى الشماع، وفريدة الزمر، وكانتا جديدتين ولا تعرفان شيئاً عن الإذاعة والتلفزيون، ولكن كان عند كل منهما تصميم على النجاح..
وسألته، وكان «الميتر» قد جاء لنا بالمثلجات:
• ونجح البرنامج على ما أذكر، منذ ولادته..
- وهنا تركت شريط الكاسيت، يدور داخل جهاز التسجيل، وتحولت أنا الى مستمع فقط!.
وبدأ سمير صبري يتكلم:
«خلال سنة واحدة كان «النادي الدولي» هو أشهر برنامج يقدّمه التلفزيون المصري، وساعدنا تشجيع الدكتور عبد القادر حاتم على عمل «خبطات» تلفزيونية كبيرة جداً، وشجعنا على عمل العديد من الرحلات الى الخارج لمتابعة الأحداث الهامة وتسجيلها لإذاعتها على جمهور الشاشة الصغيرة..
وأول مهمة خارجية لي في هذا البرنامج كانت سفري الى معرض «توت غنخ آمون» في لندن، والذي افتتحته ملكة بريطانيا بنفسها، فذهبت وأجريت تغطية تلفزيونية للمعرض داخل المتحف البريطاني، وكانت هذه أول مرة تخرج فيها كاميرا التلفزيون المصري من نطاق الأستديوهات، ولم تكن تخرج حتى الى الشوارع، وقد أخذت أيضاً أحد المصورين الإنكليز وطلبت منه تصوير تغيير الحرس الملكي البريطاني حول قصر «باكنغهام» وفعلاً تمّ تصوير رجال الحرس بملابسهم التاريخية.
وأثناء تصوير إحدى الحلقات في الأستديو ذات يوم دخل الدكتور حاتم وبصحبته دان ينتوف، رئيس وزراء حكومة مالطة، بهدف إطلاعه على إمكانات الأستديوهات المصرية، فقلت للدكتور حاتم: «بعد اذنك يا افندم سأسجل لقاء معه»، ووافق رئيس الوزراء المالطي، وأخذت أتحدث اليه، فوجدت أن كلماته تتضمن ألفاظاً عربية كثيرة، فبدأت أكلمه بالعربية، وأخذ يغني، وأذيعت الحلقة وكان من الواضح أن رئيس الوزراء أحس بالسعادة لحدوث ذلك، فطلب من أسرة «النادي الدولي» زيارة مالطة لتصوير أحد المهرجانات هناك، ووجّه لنا دعوة فذهبنا وصوّرنا في مالطة لمدة ثمانية أيام، ثم توجّهنا الى روما، وتعددت السفريات ومن هنا ازدادت نجوميتي كمذيع تلفزيوني».
وسألت سمير صبري:
• وكيف استطعت أن تضيف لبرنامجك ملامحه السياسية؟
فأجاب أيضاً بإسهاب وتطويل:
«لما اشتهر البرنامج، وأصبحت له جماهيرية عريضة بدأت الملامح السياسية للبرنامج تتشكل مع الدكتور حاتم، فعندما يزوره ضيف مهم جداً ويريد شخصاً يجيد اللغات فإنه كان يستدعيني، فسجّلت في البرنامج لقاء مع اللورد هيوم، وزير خارجية بريطانيا، في ذلك الوقت، كما التقيت بشخصيات سياسية عربية بارزة، أذكر منها لقائي بالسلطان قابوس، في أولى زياراته لمصر، وأذكر أنني صوّرت حديثي مع جلالته بقصر «الطاهرة» في مصر الجديدة، وكان يتناول العشاء الرسمي مع كبار رجال الدولة وبينهم الدكتور حاتم، والحقيقة أن السلطان قابوس شخصية عظيمة جداً، وليس مجرد إنسان عادي، وكنت أعرف أنه تعلم في كلية «سانت هيرست» العسكرية الملكية في انكلترا، فتحدثت اليه بالإنكليزية، وردّ عليّ بالإنكليزية أيضاً ببساطة شديدة، وأنا دائماً أفضّل إجراء أحاديثي مع ضيوف البرامج بطريقة طبيعية لرفع حاجز الفصل بين الضيف والمشاهدين.
وقد أجاب السلطان على أسئلتي بمنتهى التلقائية والطبيعية، وأذكر أنه أجاب عن أسئلتي حول ذقن جلالته، وما إذا كان يحلقها بنفسه أم أن هناك من يقوم بذلك، وأجاب أيضاً عن سؤالي فيما يتعلق بمحافظة جلالته على إطلاق لحيته وما إذا كان قد استمر يُطلقها رغم تقاليد الكلية العسكرية البريطانية التي درس فيها، واندمج أكثر في الحديث، وأخذ يتحدث عن ذكريات الكلية، وعن انكلترا، وتفضّل بتوجيه دعوة رسمية لزيارة عُمان».
ويضيف النجم المتعدد المواهب:
«النادي الدولي أعطاني نجومية وعلاقات عامة، وفجّر في أعماقي أشياء كثيرة لم أكن أعرف أنها موجودة داخلي، ولم تستطع السينما حتى الآن الاستفادة من كل ذلك، وبقيت زي البطل الشعبي، لأني في كل أسبوع تعودت أن أثير مشكلة لا يستطيع أصحابها حلها بأنفسهم في برنامج «النادي الدولي» فمثلاً تهدم بيت أحد الأشخاص فأجريت معه حديثاً في حضور المحافظ، لحل مشكلة عدم قدرته على إيجاد مسكن جديد لأسرته، والتقيت بالأم المثالية فتحدثت عن ابنتيها المصابتين بالشلل، وقالت إنها غير قادرة على الذهاب بابنتيها الى المدرسة والانتظام في الدراسة، وفعلاً مشكلتها حلت بأن تمت الاستجابة بتوفير عربة لها تقودها لتذهب بالبنتين الى مدرستهما.
وهذه القصص والمواقف الإنسانية أدخلتني قلوب الناس، واستطاع التلفزيون أن يمحو الصورة التي رسمتها لي السينما في أذهان الناس عندما قدّمتني في بداية طريقي في شخصية المثقف المتعالي «الأنزوح» الذي يجيد الإنكليزية، فكنت في السينما أقوم بنفس شخصية المذيعة ليلى رستم في بداية إرسال التلفزيون المصري في أول الستينات، ولكن المشاهدين عندما عدت الى الشاشة الصغيرة أحسوا بأن في داخلي شخصية «ابن البلد «اللي منهم»، والذي استطاع أن يعلّم نفسه، وأصبح لهم مثلاً وقدوة في إجادة سبع لغات، فأصبحوا سعداء وأحسوا أن نبضي هو نبضهم وأنني منهم»!.
وقلت له:
• كل نجاح له أعداء، فهل ينطبق ذلك على نجاحك في «النادي الدولي»؟
فأجاب ضاحكاً:
- كل ما «النادي الدولي» يزداد نجاحه كنت أفقد المزيد من الأصدقاء، ممن كنت أنا «فاكر» أنهم أصحاب و«بيحبوني» داخل المبنى وخارجه من الوسط الفني والممثلين، ووصل الأمر الى حد أنه كانت أحياناً تقوم حملات صحافية ضدي، وكانت تتهمني بأنني جعلت البرنامج أداة لخدمة عبد الحليم حافظ.
قلت:
• فعلاً، أذكر ما قيل تلك الأيام، وكان سببه دهشة البعض من سرعة متابعتك للأحداث الهامة، ومن بينها رحلات عبد الحليم للعلاج.
فقال سمير صبري:
- بسبب صلتي القريبة بعبد الحليم فقد كنت أعرف أن قدومه من لندن أو أميركا يتصادف مع موعد تسجيل إحدى الحلقات مثلاً، فأتفق مع محاميه ومدير أعماله مجدي العمروسي على أن يجيء عبد الحليم الى ستديوهات التلفزيون، لتصوير لقاء مع العندليب بمجرد وصوله، وطبعاً عبد الحليم «مش غبي» ويقدّر أهمية ظهوره في «النادي الدولي» ويكشف للناس أن البرنامج قام بتغطية وصول المطرب الراحل قبل أن تتمكن الصحافة من متابعة الحدث الكبير لقدوم العندليب من الخارج، وأثناء هذه الأحاديث كان عبد الحليم يقدّم الأخبار الجديدة عن أحدث أغانيه، لكن لجنة المتابعة في التلفزيون بكل أسف كان لها رأي آخر.
سألته:
• وما هو؟
فأجاب:
- ذكرت المتابعة في تقاريرها أنني أقوم بإحضار عبد الحليم في برنامجي لأنه صاحب شركة «صوت الفن»، وهي أيضاً شركة منتجة للأفلام السينمائية، يبقى لازم «بيعمل كده» من أجل أن «يشغلني» في الأفلام، ومرة قلت للأديب الراحل يوسف السباعي عندما كان وزيراً للثقافة والإعلام: «يا يوسف بيه معقول إني ح اعمل اللفة دي»، ودافعت عن نفسي بأنهم يريدون إلغاء عبقرية المذيع الذي استطاع الحصول على «سبق إعلامي» وقلت له: المفروض أن يعتبروا إحضاري لعبد الحليم في برنامجي أمراً يستدعي أن أُكافأ عليه لأني «جبت» عبد الحليم حافظ قبل أن يفعل ذلك أي شخص في المجالات الإعلامية الأخرى، بما في ذلك الصحافة!.