شارع النجوم / النجم المتعدد المواهب و.. الحكايات «7»
فنانون: سمير صبري
محمد بديع سربيه وحديث مع سمير صبري

النجم المتعدد المواهب و.. الحكايات «7»

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1990:

كان سمير صبري يواصل رواية ما حدث له عندما استدعي لمقابلة الدكتور محمد عبد القادر حاتم، وزير الإعلام المصري في عام 1964، وأخذ منه شحنة قوة دفعته الى أن يزداد حماساً في تقديم برامج مهرجان التلفزيون في الاسكندرية.
وأكمل سمير صبري رواية ما حدث:
- اتجه بي الشخص الذي يرافقني الى مكتب الاستقبال في فندق «سان ستيفانو» وطلب نقلي فوراً الى حجرة أخرى، بجوار غرف النجوم، دخلتها فوجدتها تطل على البحر، وبها «ورد» ومرطبات.
ويكمل:
- ولم يتركني الرجل إلا بعد أن قال «ماذا ستفعل اليوم؟ فكّر، وادينا خبر، انت اليوم لازم تأخذ «روجر مور» لأنه مسافر غداً»؟
ويقول لي سمير صبري:
في ذلك الوقت كان روجر مور يمثل مسلسل «الرجل الخفي»، فأخذت أفكر: ماذا أفعل عند تقديمه على المسرح؟ وخطر لي أن أقوم بإجراء مقابلة أمام الجمهور مع شيء «وهمي» على المسرح كنوع من إعطاء الغموض، وبما يوحي بأن «روجر» رجل خفي فعلاً، وفوق المسرح طلبت أن يتم عمل إظلام تام، وأن ينزل كرسي تتمّ تدليته بحبل، على أن يدخل «روجر مور» الى المسرح فوق حصان عربي وهو يرتدي الملابس العربية ثم ينتهي العرض بالمطرب محمد الكحلاوي وهو يقدم إحدى أغنياته، وبعد فترة، ترقص سهير زكي وقد جلست مع الممثل العالمي فشرحت له الكيفية التي سأقدّمه بها، فأبدى سعادته، وبدأت في إعداد الترتيبات اللازمة!.
سألته:
• وهل واجهتك صعوبات في التنفيذ؟
وروى أول قصة:
كانت أول صعوبة أو مفاجأة عندما طلب مني المدير في التلفزيون حسن حلمي أن أستبعد المطرب محمد الكحلاوي من المشهد الذي سأقدّمه مع روجر مور، وأعطاني سبباً غريباً لهذا الطلب، فقد قال لي إن الرئيس جمال عبد الناصر لا يحب سماعه، وكذلك أولاده.
وطبعاً لم أهضم هذا السبب.
وفكرت على الفور في أن أعرض الأمر على الدكتور محمد عبد القادر حاتم، الذي كان قد أعطاني رقم تليفونه، وقال لي: كلمني في أي وقت لو فيه حاجة ضرورية.
وكلمته، ودار بيننا هذا الحديث:
ايوه يا فندم، أنا سمير صبري يا دكتور..
- هه، خير يا سمير، عملت ايه النهارده؟
• كله كويس، لكن يا فندم أبلغني حسن حلمي بأن ألغي وجود محمد الكحلاوي، في المشهد الذي سأقدّمه اليوم مع روجر مور، لأن الرئيس جمال عبد الناصر لا يحب سماعه..
وهنا قال الدكتور حاتم:
- طيب، كمل المشهد زي ما انت عملته، وما تسمعش كلام حد..
وأقفلت التليفون..
وبعد أقل من عشر دقائق اقتحم حسن حلمي غرفتي في زيارة مفاجئة وقال لي معاتباً بشيء من الحدة:
- أنا اقولك أسرار، تروح تذيعها..
فقلت له:
• أذعتها فين، أنا قلتها للدكتورحاتم لأنه طلب مني أن أكلمه كلما واجهتني مشكلة..
سألته بلهفة:
• وبعدين؟
فأجاب:
- بعدما أخذت الضوء الأخضر من الدكتور محمد عبد القادر حاتم، أشركت في المشهد المطرب محمد الكحلاوي، الذي قدّم فقرة غنائية رائعة دعمت نجاح المشهد، واتضح لي أنه لا الرئيس جمال ولا أولاده يكرهون سماع المطرب الشعبي الشهير، وقد قال لي، رحمه الله في مقابلة تلفزيونية: لولا أنك أشركتني معك في مهرجان التلفزيون، لبقيت مقاطعاً من التلفزيون الى الآن بتأثير الإشاعة التي قالت إن الرئيس جمال لا يحب سماعي!.
قلت له، ونحن ما زلنا نتمشى، والجو كان قد بدأ يميل الى البرودة بعدما خفت حدة الشمس:
• وماذا فعلت بعد مهرجان التلفزيون؟
فأجاب:
- اشتركت في تمثيل مسلسلات تلفزيونية مع المخرج نور الدمرداش، وكان منها مسلسل «العبقري» مع يوسف وهبي، وقد لاحظت أن اهتمام التلفزيون بي قد توقف تماماً، خصوصاً وأن الوزير الدكتور حاتم، الذي كان يرعاني تلفزيونياً، كان قد خرج من الوزارة، وحل مكانه في وزارة الإعلام السيد أمين هويدي.
سألته:
• وفي هذه الفترة هل فكرت في السينما؟
فتوقف عن المشي وقال:
- كنت «ملهوف» اشتغل سينما، حتى أستثمر نجوميتي، التي منحها لي ظهوري في مهرجان التلفزيون، ولكن يبدو أن المخرجين الذين رأوني في المهرجان ظلوا مدة طويلة متأثرين بالصورة التي ظهرت بها أمام الجمهور، فلم يفكروا في تطوير طريقة تقديمي، وظلوا يظهرونني لجماهير السينما في نفس الإطار الذي ظهرت به في المهرجان، فقدّمت على أني الشاب الذي يجيد اللغات، وأعطوني أدواراً تشبه الأدوار التي كان يمثلها عبد السلام النابلسي في البداية الأولى لحياته الفنية..
ويضيف سمير صبري:
- كانوا دائماً يعرضون عليّ أدوار ابن عم شويكار، أو ابن عم سعاد حسني أو ابن خالة نادية لطفي، والذي يضربه في نهاية الفيلم بطل مثل فؤاد المهندس أو رشدي أباظة، أو أحمد مظهر، فيراني الجمهور أتآمر، بغير سبب واضح، على الفتاة التي أحبها، ولكنني استندت سينمائياً على هذه الأدوار، وعندما أشاهدها الآن أحس بأني ممثل ضعيف جداً أداءً وموضوعاً، وحركاتي كلها مفتعلة!.
ويردف النجم المتعدد المواهب:
- أما في الإذاعة فانتقلت من البرنامج الأوروبي الى إذاعة الشرق الأوسط، عندما أصبحت المذيعة آمال فهمي مديرتها، ثم تولى إدارتها طاهر أبو زيد، واستمر هذا الوضع حتى عام 1971، عندما جاء الدكتور حاتم الى الوزارة في عهد الرئيس الراحل السادات.
قلت له:
• اذن، آمال فهمي، كانت وما تزال صاحبة البرنامج الإذاعي الشهير: «على الناصية» هي التي أخرجتك من الثوب الأوروبي، الذي ارتديته منذ دخلت الإذاعة!.
فعاد الى المشي، والى تذكر ما حدث أيام زمان فقال:
«فعلاً، السيدة آمال عندما رأتني كمذيع ومقدم برامج غارقاً في البرامج الأوروبية قالت لي: مش حتكسب أي رصيد شعبي من البرامج الأوروبية، اسمع مني وتعال الى إذاعة الشرق الأوسط».
وسمعت كلامها وعملت بنصيحتها..
وقالت لي:
• قدّم برنامج مقابلات وليكن اسمه «النادي الدولي»..
قلت لها:
- ولكن أنا مش كويس في الإلقاء باللغة العربية الفصحى..
فقالت لي:
• اتكلم في البرنامج زي ما بتكلمني دلوقت..
وفعلاً، بدأت أتكلم من وراء الميكروفون وأقول: «مساء الخير، أهلاً صديقي، أهلاً صديقتي، النهارده حقدم لكم كذا وكذا..
ويومها انهالت الشكاوى من المتابعة، وموضوعها كلها «الواد اللي بيتكلم كلام فاضي باللهجة العامية»، وما زلت أذكر أنهم أحضروا لي المذيعتين المشهورتين سناء منصور وايناس جوهر، للتدريب، وكونا معاً «مجموعة عمل» مثلما هو موجود الآن في إذاعة «مونت كارلو»، واستمر عملي مع آمال فهمي الى أن حدث الخلاف الشهير بينها وبين أم كلثوم!.
سألته:
• وماذا كان السبب الحقيقي للخلاف؟
أجاب:
- كان الصحفي مفيد فوزي يقدّم في إذاعة الشرق الأوسط في ذلك الوقت أحد برامجه مع الفنانين في شهر رمضان، وكان صديقاً للعندليب الراحل عبد الحليم حافظ، وفي إحدى حلقات البرنامج وجّه اليه سؤالاً فهمت أم كلثوم أن المقصود به تجريحها، فغضبت على آمال فهمي، لأنها هي المسؤولة عن إذاعة الشرق الأوسط، وطلبت منها أن تبعد مفيد فوزي عن الإذاعة، وتتوقف عن تقديم أغاني عبد الحليم حافظ، وعندما لم تستجب آمال فهمي لرغبة أم كلثوم طارت آمال فهمي من منصبها وحل مكانها المذيع طاهر أبو زيد.
وسألت سمير صبري وأنا أبتسم:
• وهل «طرت» انت معها؟
فقال:
- لا، ولكن تغيّرت طبيعة عملي، فإن طاهر أبو زيد طلب مني أن يتحوّل برنامجي «النادي الدولي» الى برنامج سياسي، أوجه فيه رسائل الى العالم، وأتناول في كل حلقة منه جانباً من جوانب القضية الفلسطينية، وكان يعدّ لي الحلقات الصحفي عبد الستار الطويلة.. ثم حدثت نكسة الخامس من «يونيو» حزيران 1967، وعشت أياماً لا تنسى.
قلت ونحن ما زلنا نمشي:
• وايه اللي حصل فيها؟
فقال:
- إنني غادرت الإذاعة مساء يوم الرابع من يونيو «حزيران» وكان مفروضاً أن أعود اليها في صباح اليوم التالي، واستيقظت الساعة التاسعة صباحاً، على صوت الراديو يعلن أننا أسقطنا 80 طائرة، أصبحت 90 في فترة قصيرة، وعلى الفور ذهبت الى مبنى الإذاعة، ووسط الهرج والمرج قالوا لنا كمذيعين: انتظروا، لأن الإذاعة سيتم انضمام موجاتها في موجة واحدة باللغة العربية، كما ستكون هناك موجة واحدة موجهة باللغة الأجنبية..
وأضاف النجم المتعدد المواهب:
- وأصبح المذيع أحمد سعيد، مدير إذاعة «صوت العرب» هو المشرف على كل البرامج، وطبعاً الإذاعة كانت مزودة «بالتيكرز»، فكان يصلها كل ما ترسله وكالات الأنباء العالمية، وكنت أقرأ ما تذكره هذه الوكالات فأتعجب، لأنها كانت تذكر أن العريش سقطت وغزة، و«رفح» سقطت، والقوات الإسرائيلية على بعد كيلومترات من مدينة «السويس»، وطبعاً كانوا يحضرون لي نشرة أخبار أقرأها بالانكليزية فأجدهم يقولون «تقدمت قواتنا» و«أسقطنا» و«عملنا»، ولم يكن أمامي مفر من الدخول الى أحمد سعيد في مكتبه، والذي حوّله الى ما يشبه غرفة العمليات في ذلك الوقت.