شارع النجوم / أي أزمة كان يعيشها رشدي أباظة؟ (الحلقة الثانية والاخيرة)
أي أزمة كان يعيشها رشدي أباظة؟ (الحلقة الثانية والاخيرة)

أي أزمة كان يعيشها رشدي أباظة؟ (الحلقة الثانية والاخيرة)

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1980:

كلما رأيت رشدي أباظة، كنت أحس بأنه يعيش أزمة ما يريد أن يهرب منها، إلى الشرب، أو باستعراض عضلاته كزير نساء!.

ما هي هذه الأزمة؟!.

قطعاً.. لا يمكن أن تكون أزمة مادية.. لأن رشدي أباظة كان يكسب ألوف الجنيهات سنوياً من الأفلام، التي يمثّلها أو ينتجها، وأيضاً كانت السيدة والدته تكسب الكثير من المطعم الإيطالي الذي كانت تديره، وفضلاً عن ذلك، فأن رشدي أباظة يملك مزرعة على طريق الاسكندرية الصحراوي، مجاورة لفندق "جولي فيل" أصبحت تساوي عدة ملايين من الجنيهات.. بل ان احدى الشركات عرضت عليه أن تبني فندقاً فوق هذه الأرض، وتدفع له سنوياً مليون دولار، ثم يصبح الفندق ملكاً له بعد عشرين عاماً.. وكانت المفاوضات لا زالت جارية بينه وبين الشركة إلى ما قبل سفره إلى لندن لإجراء العملية الجراحية في الربيع الماضي!.

إذن.. هل ان رشدي أباظة كان يعيش أزمة.. عاطفية؟!.

لست أتصوّر بأن النجم الذي أطلقت عليه "الموعد" لقب "مفتول العضلات" كان يمكن أن يعيش أزمة عاطفية، وهو الرجل المحبوب من النساء، والقادر على غزو قلوبهن، واختيار من تروق له كحبيبة أو.. زوجة..

ان رشدي أباظة عاش حياته بالطول والعرض..

ومنذ بداية حياته السينمائية كان "الدون جوان" الذي لا يزاحم ولا يشق له غبار..

وعلى التوالي كان زوجاً لمجموعة من أشهر وأجمل النساء: كاميليا، تحية كاريوكا، سامية جمال وصباح.

والمرة الوحيدة التي "هزمت" فيها "دون جوانيته" كانت منذ عامين، عندما أراد أن يتزوج من النجمة السينمائية الشابة يسرا، بعد اشتراكهما معاً في فيلم "بياضة" وتمضيتهما معاً لعدة أسابيع في جزيرة بعيدة عن الناس في الاسكندرية كان يجري فيها تصوير الفيلم!.

ان يسرا أحبت رشدي أباظة، كما أحبها وأكثر.. ولكنها اعتذرت عن عدم موافقتها على الزواج به لأنها أصغر من ابنته "قسمت"، ولأن من الصعب عليها أن تُفهم الناس بأن زواجها به كان بدافع الحب.. وليس طمعاً في ثروته الكبيرة..

ان يسرا.. صممت على عدم الزواج من رشدي أباظة..

ومفتول العضلات ألح عليها في بادئ الأمر، بل أبدى استعداده لأن يتنازل لها مسبقاً عن جزء كبير من ثروته، ومن ثمّ، وبعد رفضها المتكرر اقتنع بوجهة نظرها، ووافق على أن تربط بينهما الصداقة، وأن يلتقي بها يومياً في حديقة مسبح فندق "مينا هاوس" حيث كان يفضّل الإقامة في أحد الشاليهات!.

وكانت صدمة لرشدي أباظة، أن يكتشف انه بلغ السن التي لم يعد يستطيع معها أن ينال صبية في سن يسرا، ولكن هذه الصدمة لم تتحوّل إلى أزمة تقلب حياته رأساً على عقب، أو تدفعه إلى الإغراق في.. البوهيمية!.

***

قطعاً.. كانت هناك أزمة في حياة رشدي أباظة..

انها.. ليست أزمة مادية.. ولا أزمة.. عاطفية!.

وحتماً ليست أزمة فنية.. لأن السينما العربية أعطت رشدي أباظة من الشهرة والنجاح والأمجاد ما لم تعطه من قبل لممثل سواه!.

إذن.. ما هي هذه الأزمة؟!.

ان ما كنت أسمعه دائماً من رشدي أباظة كلما حاولت أن أنصحه بالهدوء والاستقرار والحفاظ على الصحة، هو عبارة.. واحدة لا تتغير:

. خليني عيش دلوقت.. مين عارف بكره حيحصل إيه؟!.

ومنذ عام واحد عرفت ما قد يكون سبب الأزمة التي تعصف بنفسية رشدي أباظة، وتحرمه من الاستقرار وتجعله دائماً في حالة هروب من نفسه وعقله وواقعه!.

ان أحد أقرب أقربائه إليه.. وهو من العائلة الأباظية، روى لي أن رشدي أباظة، كان في باريس منذ عشر سنوات تقريباً، وخطر له أن يجري تحاليل طبية في أحد المستشفيات.. وفعلاً أمضى يوماً كاملاً في المستشفى خاضعاً لفحوصات وتحاليل دقيقة، وبعد ذلك فاجأه الطبيب الفرنسي الذي أجرى له التحاليل.. بقوله:

· مسيو أباظة.. يجب أن تنتبه لصحتك..

وسأله مفتول العضلات:

- ليه يا دكتور.. هل أشكو من شيء؟.. هل وجدت مرضاً ما في التحاليل..

وقال الطبيب الفرنسي:

· لا.. ولكن بعض التحاليل تشير إلى بوادر مرض قد يصبح خطيراً إذا لم تعالجه في بدايته!.

وفهم رشدي أباظة ما هو المرض الذي يعنيه الطبيب؟!.

ويومها.. لم يأخذ بنصيحة الطبيب وإنما أخذ يعبّ من الحياة كل ما يلذ له، ويصل الليل بالنهار دون ساعة نوم واحدة، لأنه كان يحسّ بأن الحياة قصيرة، وأقصر من أن يضيّعها في النوم!.

وربما.. كانت اللامبالاة التي يواجه بها رشدي أباظة كل أمور الحياة هي نتيجة للأزمة النفسية التي بدأ يعيشها منذ أن فهم من الطبيب، أن عمره لن يكون طويلاً!.

***

وقيل.. وسوف يقال.. الكثير الكثير عن رشدي أباظة..

عن مغامراته، وطبائعه، وأفلامه وزيجاته، وثروته.. سيروى الكثير الكثير!.

ولكن في كل ما يقال سوف تكون هناك حقائق لا تتغيّر، وهي أن رشدي أباظة كان دائماً إنساناً طيب القلب.. كريم الخلق.. محباً للأصدقاء.. شهماً في كل موقف!!..

وكان.. أحد ألمع الموهوبين على الشاشة العربية..

واسماً.. كان طوال حياته محبوباً!

وسوف يظل.. حتى بعد غيابه.. مالكاً للحب!.

"محمد بديع سربيه"