شارع النجوم / أي أزمة كان يعيشها رشدي أباظة؟ (الحلقة الاولى)
فنانون: رشدي أباظة
أي أزمة كان يعيشها رشدي أباظة؟ (الحلقة الاولى)

أي أزمة كان يعيشها رشدي أباظة؟ (الحلقة الاولى)

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1980:

عرفت رشدي أباظة لأول مرة عام 1951..

وكان التعارف في.. بيروت!.

وعن طريق تحية كاريوكا.. أشهر راقصات الجيل الفني السابق، والتي كان لها في مجتمعات بيروت الارستقراطية شهرة داوية، بحيث لم تكن تجيء مرة إلى بيروت إلا وتجد نفسها غارقة في الحفاوة السخية البالغة حتى أذنيها!.

ومرة.. كانت تحية كاريوكا تحيي موسماً راقصاً في ملهى "عجرم" في حي السهر البيروتي الشهير باسم "الزيتونة" وكان يحيط بها عشرات من المعجبين المدلهين بحبها، وفي مقدمتهم المليونير الظريف نجيب حنكش.. وكل واحد من هؤلاء كان، لفرط رقة تحية معه، وحسن مجاملتها له، يتصوّر أنه قد غزا قلبها، وبات هو الحبيب الأقرب إليها!.

ولكن.. وذات ليلة، دخلت تحية كاريوكا إلى سهرة كانت تقام تكريماً لها في فندق "نورماندي" وهي تتأبط ذراع شاب فارع القوام، وسيم الوجه، جذاب الشكل، تبدو عليه سيماء الارستقراطية الفارهة وقدّمته إلى الجميع قائلة:

· مسيو.. رشدي أباظة!.

ولم ترد على ذلك كلمة ومرت ساعة، وجميع المدعوين إلى السهرة في حيرة من أمرهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الشاب الذي أخذ يستعرض أمامهم ثقافته فيتحدث إليهم بالفرنسية والإنكليزية والإيطالية.. وفي نفس الوقت يبرهن عن خفة دمه بإطلاق النكت التي تفجّر.. الضحك!.

واحد فقط.. هو نجيب حنكش اغتنم فرصة ابتعاد تحية للحظات عن رشدي أباظة، فاقترب منها.. وسألها:

· مين.. حضرتو؟!.

فأجابت بدلال:

- مش قلت لك ان اسمه رشدي أباظة!.

فعاد حنكش يقول:

· وشو يعني رشدي أباظة.. شو بيشتغل؟!.

فردت.. تحية:

- ده ابن عيلة كبيرة..

فقال حنكش:

· تشرفنا..

وأضافت.. تحية:

- ويحب التمثيل.. وسوف يكون نجماً سينمائياً؟!.

فقال نجيب حنكش:

· شيء حلو.. بس كمان ما فهمنا شي!.

فضحكت تحية وقالت:

- وعاوز تفهم ايه ياسي.. حنكش؟!.

فقال:

· عاوز أعرف شو علاقتك بحضرة الأخ:

فقالت.. عندئذٍ بجد:

- ده.. جوزي!.

وصرخ.. نجيب حنكش:

· جوزك.. وليه ما قلتي؟!.

فقالت بذكاء:

- وهل سألتني من قبل، إذا كنت متزوجة أم.. لا؟!.

وكانت هذه هي الإطلالة الأولى لرشدي أباظة على بيروت..

وكانت هذه أول مرة أسمع.. باسمه..

وأعرف انه.. ممثل سينمائي صاعد..

وانه كان من قبل حبيباً للنجمة الحسناء كاميليا التي ماتت في حادث طائرة!.

وبالرغم من أن رشدي أباظة كان يزور لبنان لأول مرة..

وبالرغم من ان أحداً لم يكن يعرفه.. من قبل!.

وأيضاً لم تسبقه إلى لبنان.. شهرة ما!.

بل إنه لم يكن حتى ذلك الحين قد مثّل أكثر من دور صغير في أحد الأفلام..

رغم كل هذا، فإن رشدي أباظة انتشر في أوساط بيروت الاجتماعية بسرعة، وصار له عشرات الأصدقاء والصديقات.. والمعجبات، وكان في شخصيته مزايا تجذب إليه الناس في كل مجتمع!.

***

و.. سنوات تمر!.

ويلمع اسم رشدي أباظة، في طول العالم الفني وعرضه..

ويصبح النجم الأول على.. الشاشة العربية..

ومن ثمّ.. فإنه لا يبقى زوجاً لتحية كاريوكا، وإنما يتم طلاقهما كزوجين، وتستمر علاقتهما كصديقين.. وبعدها بسنوات يتزوج من راقصة زميلة لها هي النجمة اللامعة يومئذٍ سامية جمال، ويرغمها على اعتزال الحياة الفنية، ويبقى زوجاً لها إلى ما قبل ثلاث سنوات فقط.

ولقد كان رشدي أباظة شخصية غير عادية في العالم السينمائي..

وكانت شخصية رشدي أباظة تدعو إلى الحيرة لكثرة ما تتجسّد فيها المتناقضات، فهو من ناحية لم يكن يضيّع ساعة واحدة دون كأس وامرأة.. ومن ناحية ثانية كان حريصاً - كل الحرص- على أدواره السينمائية، ومقبلاً على دراستها بصمت ليتمكّن من تأديتها على أحسن وجه..

وبالرغم من أنه كان لا يجد ساعة فراغ واحدة من العمل، فإنه كان يحسب حساباً كبيراً لمنافسيه من النجوم، ويحاول أن يكون المتفوّق عليهم دائماً، ومع ذلك، فإنه في كثير من الأحيان كان يثير ضده جميع المخرجين والمنتجين بعدم احترامه لمواعيد تصوير الأفلام، وأكثر من مرة كاد هؤلاء أن يتخذوا قراراً جماعياً بمقاطعته وعدم التعاون معه، لولا أنه كان في آخر لحظة يسترضيهم ويأخذ - لمدة قصيرة - في الحضور إلى الاستديوهات دون أي تأخير عن المواعيد المحددة له..

ولعل أكثر الحوادث التي تدل على التناقض في شخصية رشدي أباظة، وطباعه، هي الحادثة التي حرمته من الشهرة العالمية!.

فإن المخرج والمنتج العالمي ديفيد لين أرسل مندوبه إلى القاهرة في عام 1960 للتعاقد مع رشدي أباظة على تمثيل دور "الشريف" في فيلمه التاريخي الكبير "لورانس العرب" الذي كان يومها يُصوّر في صحراء الأردن، وفعلاً اتصل المندوب تليفونياً برشدي أباظة، وشرح له الموضوع واتفقا على موعد في نفس اليوم لكتابة العقد وتوقيعه، وتحديد موعد السفر!

وكان رشدي أباظة توّاقاً إلى أن يكون من نجوم السينما العالمية..

وأكثر من مرة قال في أحاديثه الإذاعية والصحفية أن من أكبر أمنياته أن يمثّل دور بطولة واحد في فيلم عالمي!.

ومع ذلك.. فعندما جاءته الفرصة لتحقيق أمنيته.. أضاعها!.

انه لم يحضر إلى الموعد الذي اتفق عليه مع مندوب المنتج ديفيد لين، ولأن المندوب كان مضطراً إلى التعاقد مع أي ممثل لكي يمثّل في فيلم "لورانس" فقد تعاقد على الفور مع عمر الشريف!.

وبعد سنوات.. وعندما بات عمر الشريف أسطورة السينما العالمية، سألت رشدي أباظة:

· ألا تشعر.. بالندم لأنك أضعت الفرصة الذهبية؟..

فقال:

- أبداً.. أنا أؤمن بالقسمة والنصيب، ونصيب عمر الشريف أن ينال الشهرة العالمية، ونصيبي أن أحرم من هذه الشهرة!.