شارع النجوم / آخر اعترافات زبيدة ثروت «1» / دخلت الى عالم السينما وهي تحمل لقب: «أجمل فتاة في الشرق»
فنانون: زبيدة ثروت
محمد بديع سربيه يحادث زبيدة ثروت في أول يوم دخلت فيه الى الأستديو

آخر اعترافات زبيدة ثروت «1» / دخلت الى عالم السينما وهي تحمل لقب: «أجمل فتاة في الشرق»

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1985:
شيء ما يجذبني الى حلوة العينين زبيدة ثروت، التي كانت من أحلى صبايا الشاشة السينمائية العربية في الفترة ما بين عامي 1955 و1965، وكانت أيضاً واحدة من أربع أو خمس نجمات شابات يتقاسمن بطولات الخمسين أو الستين فيلماً التي كانت تنتجها في كل عام استديوهات السينما في مصر.
ربما كان هذا الشيء هو ما أذكره عن اللقاء الأول بيني وبينها في ستديو «الأهرام» في القاهرة، عندما دخلته لأول مرة لحضور فيلم «الملاك الصغير» وتبدأ منه مشوارها السينمائي الطويل الذي انتهى على المسرح، وكان أحدث ظهور لها فوق خشبته في مسرحية «عائلة سعيدة جداً» من إخراج سيّد بدير..!
إنني يوم هذا اللقاء وأتصوّر أنه كان في منتصف الخمسينات، كنت على موعد عمل مع مدير استديو الأهرام، وعلى باب الأستديو التقيت الممثل الكبير يحيى شاهين، وكان هو أيضاً النجم الأول في عدد كبير من الأفلام المصرية، بل وكان ينتج أفلاماً على حسابه كعادة جميع نجوم تلك الأيام مثل: أنور وجدي، حسين صدقي، محمد فوزي، ومحمد أمين، وغيرهم وغيرهم!.
يومها، بادرني يحيى شاهين قائلاً: صدفة حلوة أن تحضر اليوم الى الاستديو!.
قلت: خير إن شاء الله.. ما الذي سيحدث في هذا اليوم ؟.
أجاب:
• إنك ستحضر ولادة النجمة الجديدة التي ستكون بطلة فيلمي..
قلت:
- ومن هي هذه البطلة؟.
قال:
• إسمها.. زبيدة ثروت!.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الإسم..
وأخذت سماعة التليفون من باب الأستديو وكلمت مدير الأستديو معتذراً عن اضطراري الى التأخر عن موعده، لأن حضور ولادة نجمة جديدة هو عندي حدث فني يستحق الاهتمام أكثر من مقابلة مدير استديو، خصوصاً وأن السينما المصرية كانت يومها قد حصرت أدوار البطولة السينمائية في نجمات لا يتجاوز عددهن أصابع اليد، وكانت صرخات النقاد تطالب دائماً بإعطاء فرص لوجوه جديدة لتأخذ مكانها على الشاشة..
وأخذني يحيى شاهين الى غرفة قريبة من البلاتوه كانت فيها الصبية الصغيرة التي لا يزيد سنها عن السادسة عشرة كما بدا لي، وكانت فعلاً ذات وجه رائع الجمال، ولكنها لم تكن طويلة القامة شأنها شأن ثلاث نجمات كن متألقات في ذلك الزمن هن: فاتن حمامة، شادية، وماجدة الصباحي..
وأذكر هنا أن ما لفت نظري في الفتاة الساحرة العينين هو أنها سريعة الألفة، ورقيقة الإبتسامة والشخصية، وهكذا، فلم تمض دقائق على تعرفي بها حتى ارتفعت الكلفة بيننا، ولم تعد تناديني بـ«يا أستاذ» ولا أخاطبها بـ«يا آنسة» بل صار كل منا يخاطب الآخر باسمه مجرداً!.
ولقد كان سن زبيدة ثروت حافزاً لي على أن أسأل يحيى شاهين:
• هل أن الآنسة زبيدة ستمثّل في الفيلم دور ابنتك؟
فنظر اليّ باسماً وقال:
- ايه يا أستاذ.. أنت بتشنّع عليّ!.
قلت:
• أبداً، ولكني أرى أنها أصغر بكثير من أن تمثّل دور.. حبيبتك!
وهزّ رأسه قائلاً:
- أنا معك في أن هناك فارقاً في السن، ولكنه غير كبير جداً، بيني وبين زبيدة ثروت، ولكن القصة التي سنمثّلها ستكون هي فيها فتاة مراهقة تحب رجلاً أكبر منها!
وغمزت له بطرف عيني ثم قلت:
• يا عزيزي النجم الكبير.. أخشى أن يتحوّل التمثيل الى واقع!.
وبكل وقار قال لي يحيى شاهين:
- حذار أن تصدّق إشاعات السوء!.
وفعلاً، بعد خروجي من الأستديو بدقائق، بدأت أسمع الهمسات من هنا وهناك بأن يحيى شاهين يحب اكتشافه الجديد، وأنه من غير المستبعد أن تكون نهاية الفيلم على الشاشة، هي نفس نهايته في الواقع بين البطلين، تماماً كما حدث قبل ذلك بسنوات في فيلم «ليلى بنت الأغنياء» الذي انتهت قصته بحفلة زفاف بطله أنور وجدي وليلى مراد، سرعان ما أصبحت حفلة زفاف حقيقية وليس تمثيلية!!.
والمهم أنني حضرت ولادة زبيدة ثروت كنجمة سينمائية..
ومن أول مشهد تأكدت من أنها لن تكون نجمة عادية، فقد بدرت منها لفتة ذكاء دلتني على مدى نضوج عقلها بالرغم من صغر سنها، وهو نضوج جنّبها فيما بعد الكثير من الأخطاء التي تقع فيها عادة كل نجمة صاعدة، عندما تبهر عينيها أضواء الشهرة، وتجد نفسها محاطة بالمعجبين، والمصفقين، والمنافقين، والمنتفعين!.
فأية لفتة ذكاء بدرت منها في أول يوم وقفت فيه أمام الكاميرا؟.
أنها بعد أن صوّرت المشهد الأول مع يحيى شاهين، جاءت الى المخرج كمال الشيخ وقالت له برجاء:
• يا أستاذ، ألا يمكن تحميض الفيلم الذي صُوّر عليه المشهد الآن وفوراً!.
فسألها:
- وليه؟
فأجابت:
• لأنني أريد أن أرى على «المافيولا» كيف مثّلت هذا المشهد، وأعرف إذا كان هناك من خطأ في أدائي لكي لا أكرره في المشاهد المقبلة.
وأعجب المخرج الكبير بذكاء الفتاة وحرصها على النجاح فأمر بتحميض المشهد وطبعه ووضعه على «المافيولا» لكي تراه زبيدة، ونفّذت أوامر كمال الشيخ بحرفيتها ورأت زبيدة ثروت المشهد الذي مثّلته وهو يعرض أمامها على شاشة «المافيولا» الصغيرة، وكادت أن تطير من الفرح عندما رأته ناجحاً، ووجهها فيه كالقمر، فراحت تقفز في الغرفة وتوزّع قبلاتها على كل من رأى المشهد معها، بما فيهم.. أنا!
إن كل ما حدث في ذلك اليوم جعل بيني وبين زبيدة ثروت ألفة استمرت على مدى السنين، وصارت هذه الألفة تجذبني دائماً الى متابعة أخبارها الشخصية والفنية، والى الاتصال بها كلما شاهدت لها فيلماً لكي أبدي لها إما إعجابي بدورها فيه، أو ملاحظاتي الشخصية عليه، وهو ما لا أفعله إلا مع القليلات من النجوم الذين يسمح عدم التكليف بيني وبينهم بأن أُسمعهم رأيي الصريح في أعمالهم الفنية!.
وعلى أية حال، فإن اللقاء الأول بيني وبين زبيدة ثروت كان أهم ما فيه بالنسبة لي هو أني حضرت ولادة نجمة جديدة، وعلى الفور أسرعت الى جمع كافة المعلومات عنها لكي أضعها في ملف يحمل إسمها، ويوضع بين الملفات التي أحرص على أن تحتوي أكبر قدر من المعلومات عن نجوم السينما!.
من هي زبيدة ثروت؟
سألت عنها، فقيل لي:
• إنها إبنة أمير البحر السابق أحمد ثروت، وهي اسكندرانية، وقد سميت في طفولتها بـ«أميرة البحر» لأن والدها كان قد ألبسها وهي في الرابعة من عمرها رداء البحرية، وظهرت بهذا الرداء في احتفال عيد الزهور، وكانت تقف فوق إحدى العربات وتلوّح بيدها للجماهير التي كانت تحتشد على جانبي كورنيش الإسكندرية!
وسألت شقيقتها حكمت، وكنت قد التقيت بها معها في الأستديو:
• هل كان عندها أية مواهب فنية في طفولتها؟!.
فأجابت الشقيقة الجميلة أيضاً:
- إنها عندما كانت طالبة في مدرسة «الثانوية» بالإسكندرية، بدت عليها موهبة الرسم وهي دون العاشرة، ونالت جائزة عن لوحة رسمتها بريشتها وتعبّر عن عاطفة الأمومة..
وسألت الشقيقة:
• ولكن، ألم تكن تبدو عليها ولو بارقة هواية للتمثيل؟!.
وقالت:
- لا، ولكن وهي في الثانية عشرة من عمرها، كانت تردّد أمام زميلاتها وأفراد عائلتها بأنها تحب أن تكون صحفية، وأخذها والدي ذات يوم الى السينما، وكان يعرض فيها فيلم «العيش والملح» ومن يومها تحوّلت أحلام زبيدة من الصحافة الى الشاشة، وأصبحت تتمنى أن تكون نجمة سينمائية مثل نعيمة عاكف، التي كانت هي بطلة أول فيلم شاهدته ساحرة العينين!.
و.. مضت زبيدة ثروت في طريق الشهرة بعد فيلم «الملاك الصغير»!.
ولكن خيوطاً كثيرة تشابكت أمامي أولاً حول بدايتها الفنية، وثانياً حول مكتشفها!.
إن الذي فهمته عندما رأيتها لأول مرة في الأستديو هو أن مكتشفها هو نفسه بطل فيلم «الملاك الصغير» ومنتجه، أي النجم الممثل يحى شاهين!.