شارع النجوم / آخر اعترافات زبيدة ثروت «٢» / عندما كانت بطلة «زمان يا حب» وطلبت إبعاد مديحة كامل عنه
فنانون: زبيدة ثروت , مديحة كامل
زبيدة ثروت، مديحة كامل وشاهيناز في فيلم زمان يا حب

آخر اعترافات زبيدة ثروت «٢» / عندما كانت بطلة «زمان يا حب» وطلبت إبعاد مديحة كامل عنه

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1985:

إلى ما قبل شهور قليلة كان التصور عندي أن النجمة التي اشتهرت بسحر عينيها وطفولة وجهها، ورقة شخصيتها، والتي كان اسمها الحقيقي: زبيدة ثروت هو نفس اسمها الفني، قد توارت تماماً عن الأضواء بعد أن أثقلتها هموم الحياة، وأوصلتها في فترة ما إلى زيادة في الوزن بدت معها أكبر من عمرها بكثير، وأيضاً بعد أن تعرضت لحادث اصطدام سيارتها وهي عائدة ذات يوم إلى بيتها من مسرح كانت تمثل فيه دور البطولة في مسرحية كان اسمها: «8 ستات».
وكنت آسفاً فعلاً على غياب وجه زبيدة ثروت عن الحياة الفنية فهي من الوجوه المحبوبة القريبة من القلب، وواحدة من أحلى ذكرياتي كانت ذكرى حضوري لمولدها كنجمة سينمائية في ستديو الأهرام في القاهرة ما بعد منتصف الخمسينات، وفضلاً عن ذلك فما زلت أذكر كيف أنها عاشت على امتداد سنوات طويلة كزوجة وأم، بعد أن ارتضت اعتزال التمثيل نزولاً عند رغبة زوجها المنتج السينمائي السوري صبحي فرحات الذي كان يقيم في القاهرة بصورة دائمة، وفي مرات كثيرة كنت أدعى إلى حفلات أو سهرات تقيمها هي وزوجها، فأستغرب كيف أن هذه النجمة الشابة قد استطاعت التغلب على حب الشهرة، والتضحية بما كان لها من رصيد كبير في السينما من أجل أن تكون ست بيت عادية، ولم أفسر ذلك سوى بأنه نابع من حبها العميق للأمومة، وهو ما عبرت عنه وهي في العاشرة من عمرها عندما رسمت لوحة فازت بجائزة، وكانت تظهر فيها عاطفة الأمومة.
وكانت آخر مرة رأيت فيها زبيدة عندما ذهبت للاطمئنان عليها بعد حادث السيارة الذي نجت منه والحمد لله بأعجوبة ولازمت على أثره الفراش عدة أسابيع لعلاج الجروح التي أصيبت بها، وكان منها ما أصاب وجهها، إلا أنه لم يسلبه حلاوته التي ظلت تضيئها العينان الخضراوان الجميلتان.
وقبل أشهر التقيت في صالون فندق «شيراتون القاهرة» بالممثل الشاب المنتصر بالله، وعندما سألته عن أحواله وأخباره قال لي أنه يذهب كل ليلة إلى بروفات مسرحية «عائلة سعيدة جداً» التي يخرجها الفنان الكبير سيد بدير لتعرض على أحد مسارح الإسكندرية في شهور الصيف.
وسألته:
• ومن ستكون بطلة المسرحية؟.
وفاجأني بجوابه:
- إنها زبيدة ثروت!.
قلت:
• وهل عادة زبيدة إلى العمل الفني؟.
أجابني:
- وبكل حماس..
قلت:
• إذن، بلّغها تحياتي، وشوقي لرؤيتها!.
ومرت أيام ثلاثة..
وبعدها، وذات ليلة رمضانية رن جرس التليفون في غرفتي، وكانت الساعة قد بلغت الثانية بعد منتصف الليل، وكنت ما زلت أطالع كتاباً ولم أصل بعد إلى مرحلة النعاس، بل ما زلت في انتظار موعد السحور.
إن المتكلم كان هو نفسه الممثل المنتصر بالله، الذي بادرني بالقول:
• مدام زبيدة وأنا..هنا!.
سألته:
- هنا.. يعني فين؟
أجاب:
• في صالون الفندق، لقد تأخرنا في البروفة حتى هذه الساعة، ولم تستطيع مدام زبيدة الاتصال بك تليفونياً لأن المكان الذي كانت تُجرى فيه البروفة لم يكن فيه تليفون.
وقلت:
- أهلاً وسهلاً .. تفضل أنت ومدام زبيدة!.
وهكذا وبعد غياب طال سبع سنوات، كان لقائي مع النجمة الممثلة في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وطار النعاس من عيني، وأحسست بالحماس يتملكني للسهر معها إلى الصباح، إذا ما كانت قادرة على السهر.
وأول ما سعدت به مع حرارة اللقاء بيني وبين زبيدة ثروت هو أنني رأيتها وقد استعادت الجزء الأكبر من رشاقتها وبدت قريبة مما كانت عليه في أيام نجوميتها، كما زالت إلى حد بعيد الخطوط التي كانت الهموم قد رسمتها على وجهها الجميل.
وهتفت بها:
• أين أنت؟
قالت:
- أنا هنا الآن.
• وكيف جئت؟
أجابت:
- الأستاذ سيّد بدير بحث عني، وعندما وجدني أغراني بالعودة إلى المسرح، وتمثيل دور البطولة في روايته الجديدة «عائلة سعيدة جداً» وهو أصلاً من اجتذبني إلى المسرح!.
ولكن، أين كانت زبيدة ثروت، وأين وجدها سيّد بدير!.
إنها أمضت سبع سنوات في ولاية «مسيسيبي» في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت تعيش هناك طوال اليوم أماً متفرغة لبناتها، بعد أن باعت عمارة كانت تملكها في القاهرة واشترت للبنات فيللا جميلة في الولاية التي يقمن فيها، وملحقاً بهذه الفيللا حديقة يتوسطها حوض سباحة كانت الأم الحلوة العينين تقضي فيه أكثر أوقاتها، وكانت السباحة اليومية هي التي أعادت إليها رشاقتها.
إن بنات زبيدة ثروت ملأن عليها حياتها وهن يقمن معها في الفيللا التي امتلكنها جميعاً في ولاية «مسيسيبي» بحيث شغلنها تماماً عن التفكير في أي عمل فني، تماما كما شغلت بهن عندما أنجبتهن على التوالي بعد زواجها من المنتج السينمائي صبحي فرحات، بحيث نسيت تماماً أنها نجمة سينمائية مشهورة، ولم تعد تفكر سوى بمشاكل الحمل والولادة وتربية الصغار.
ولكن، من هن بنات زبيدة ثروت!
إن ثلاثاً منهن يقمن في الولايات المتحدة الأميركية هن «رشا» التي تدرس السياسة والاقتصاد في الجامعة «ومهى» وقد اتجهت إلى دراسة الكمبيوتر و «قسمت» التي مازالت في مرحلة الدراسة الثانوية النهائية. أما البنت الكبيرة ريم صبحي فرحات فإنها تعيش في القاهرة مع زوجها الشاب عياد منصور، وقد أنجبت أول مولود لها في الشهر الماضي!.
وأحب حديث إلى قلب زبيدة ثروت هو الحديث عن بناتها..
وتقول وهي تصفهن: «ريم وقسمت يشبهاني جداً، واثنتان من بناتي طويلتا القامة واثنتان متوسطتا القامة، والشيء الغريب ولا واحدة منهن تشبه الثانية».
وأسألها:
• أنت نجمة سينمائية، وعندك أربع بنات، أليس بينهن واحدة يستهويها أن تكون ممثلة كأمها!.
أجابت بهدوء شديد:
- حتى لو كانت أية واحدة منهن تحب التمثيل، فإنها لن تعلن ذلك، لأنهن يعرفن بأن والدهن يرفض بشدة أن تكون أحداهن ممثلة، وحتى أنا عندما تزوجته، جعلني اعتزل الفن، مع أنه تزوجني وأنا أمثل، وكان التعويض الوحيد لي عن اعتزالي الفن أنني، بحكم عمل زوجي في الإنتاج السينمائي، بقيت في مجتمع أهل الفن ولم أبتعد عنه، وحافظت على الكثير من صداقاتي الفنية!.
وكانت عقارب الساعة قد وصلت إلى الثالثة عندما تذكرت النقطة الغامضة في بداية زبيدة ثروت، وعما إذا كان ظهورها الأول قد كان في فيلم «الملاك الصغير» مع يحيى شاهين، أم أن الذي قدمها للشاشة أولاً هو المخرج والمؤلف حسين حلمي المهندس!.
وقلت لزبيدة ثروت محاولاً توضيح صورة بدايتها الفنية:
• عائلتك كانت بعيدة عن الفن.
فضحكت وقالت:
- جداً.. ووالدي كان لواء في البحرية، ولقبه: أمير بحر، وما فتح لي الطريق الى الحياة الفنية هو فوزي في مباراة: «أجمل فتاة في الشرق» وكنت قد دخلت هذه المباراة لمجرد التسلية، وأبداً لم يكن في توقعي أن يكون فوزي بلقب «أجمل فتاة في الشرق» هو المدخل لي الى حياة لم تكن لا في تصوري ولا أحلامي.
سألتها:
• المهم ماذا حدث بعد فوزك في المباراة؟
أجابت:
- أخذت جائزة مالية هي عبارة عن كلام فارغ، ولكن الكسب الكبير لي من هذا الفوز كان عندما جاء الممثل الكبير يحيى شاهين، وأسند إلي دور البطولة في فيلم: «الملاك الصغير» وكان أيضاً قد قدّمني في فيلم «نساء في حياتي».
وسألتها:
• ووافق والدك أمير البحر على عملك في السينما؟
أجابت:
- في البداية عارض بشدة، وشاركته العائلة كلها معارضته، وأنا كانت استهوتني حكاية التمثيل في السينما، ولكنني لم أكن أملك حرية اتخاذ القرار، لأنني كنت ما زلت في الرابعة عشرة من عمري، إلا أن إلحاح يحيى شاهين أزال المعارضة العائلية، وخصوصاً بعدما أثبت لها أن ظهوري سوف يكون في فيلم اجتماعي هادف وخال من الخلاعة والإثارة.
ولكن..
كيف استطاعت زبيدة ثروت، وهي تقيم في الإسكندرية أن تكون نجمة سينمائية في القاهرة.
إنها كانت ما زالت على مقاعد الدراسة في الإسكندرية، ولم تترك الدراسة من أجل السينما، بل كانت تذهب إلى القاهرة كلما تلقت «الأوردر» الذي يحدد لها مواعيد التصوير، وبالطبع كانت دائماً في حراسة وحماية أحد أفراد العائلة. وبقيت زبيدة تمثّل في القاهرة وتقيم في الإسكندرية عدة سنوات، بل هي دخلت ثلاثة أعوام في كلية الحقوق في جامعة الإسكندرية، ولم تتركها إلا عندما تزوجت بالمنتج صبحي فرحات، فأكملت دراسة الحقوق ونالت الليسانس في جامعة القاهرة.
ولكن، هل أن اية فتاة جميلة يمكن أن تكون ممثلة!
إن زبيدة ثروت لم تكن لها أية دراسة فنية سابقة، بل وهي تعترف بأن التمثيل لم يخطر لها على بال وهي في سن الصبا، وأيضاً لم تكن تقلد أية ممثلة شاهدتها في فيلم ما وهي فقط أحبت شخصية نعيمة عاكف في فيلم «العيش والملح» ومرت في خاطرها أمنية عابرة بأن تكون مثلها نجمة على الشاشة.
إذن، كيف «هبطت» موهبة التمثيل على زبيدة ثروت، وقد شهد النقاد وما زالوا يشهدون بأنها كانت ممثلة رائعة فعلاً في فيلم «الملاك الصغير» وأدت دورها بمهارة الممثلات المتخرجات من أكبر المقاعد الفنية.
وتقول زبيدة ثروت وهي تردّ على تساؤلي هذا:
- أنا فعلاً لم أتعلم التمثيل في أي معهد، ولكنني في المدرسة كنت طالبة مجتهدة، والذي علمني التمثيل وجعلني أحبه أيضاً هو الممثل الكبير حسين رياض، رحمه الله، الذي كان دائماً بمثابة الأستاذ والموجه لي عندما أقف أمام الكاميرا، وكان يرى أنني ما دمت مرهفة الإحساس لابد أن أقدر على التمثيل، وعلى أية حال فإنني مع الممارسة المستمرة أصبحت أمثل أفضل، وحتى الآن فإن أكثر ما يميزّني كممثلة هو أنني لا أمثل، بل أؤدي أي دور بشكل طبيعي، إلا إذا كانت الشخصية التي أمثّلها بعيدة عن طبيعتي، وعندئذ أحاول أن ...أمثّل.